نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
"الفوضى التجارية العالمية".. هل ترامب وحده المسؤول؟ - كورة نيوز, اليوم الثلاثاء 5 أغسطس 2025 09:59 صباحاً
لا يرتبط هذا الاضطراب بشخص أو سياسة واحدة بقدر ما يعكس تحولات بنيوية في الاقتصاد الدولي، وصعود قوى اقتصادية جديدة، وتزايد النزعة الحمائية لدى عدد من الدول الكبرى.
ومع عودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى واجهة القرار الدولي، تصاعد الجدل حول دوره في تسريع هذه الأزمة، خاصة بعد تبنيه سياسة "أميركا أولاً" وإعادة تعريفه لقواعد التجارة واتفاقاتها التقليدية. لكن تسليط الضوء على ترامب وحده يغفل تراكمات ممتدة من اختلالات في النظام التجاري العالمي وفشل سياسي في معالجة آثار العولمة على المجتمعات.
وتثير هذه التطورات أسئلة أعمق حول قدرة المؤسسات الدولية، مثل منظمة التجارة العالمية، على مواكبة التحولات الاقتصادية والسياسية، وحول مآلات النظام التجاري الدولي في مرحلة تتسم بارتفاع حدة المنافسة الاقتصادية وانكماش الثقة في العولمة الاقتصادية.
نظام التجارة القائم على القواعد
في مقال له بصحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، يقول المدير التنفيذي السابق في صندوق النقد الدولي وعضو سابق في منظمة التجارة العالمية، هيكتور توريس:
عندما تأسست منظمة التجارة العالمية عام 1995، سادت ثقة واسعة في عدالة ومتانة نظام التجارة القائم على القواعد الذي أشرفت عليه.
- كانت الولايات المتحدة هي المهندس الرئيسي والضامن النهائي لهذا النظام.
- مع ذلك، بمرور الوقت، تزايدت مخاوف واشنطن المشروعة بشأن كيفية تطور نظام التجارة متعدد الأطراف.. كما تغير الرأي العام الأميركي.
- وهذا يقودنا إلى دونالد ترامب.. لدى منظمة التجارة العالمية العديد من ممارسات العمل غير السليمة ، وجميعها سبقت فترة ولاية ترامب الأولى. لذا، سيكون من الظلم القول إن الرئيس الأميركي يُهدم مؤسسةً كانت في السابق تعمل بكفاءة عالية.
ويضيف: تضم منظمة التجارة العالمية حالياً 166 دولة عضواً.. يُطالب حوالي ثلثيها بوضع "دول نامية"، ما يمنحها الحق في معاملة "خاصة وتفضيلية"، ما يسمح لها بإجراء تخفيضات أبطأ وأقل طموحاً في التعرفات الجمركية.
لكن المفاجأة تكمن في أن قواعد منظمة التجارة العالمية تسمح لأي دولة بإعلان نفسها "دولة نامية" والبقاء ضمن هذه الفئة إلى أجل غير مسمى - بما في ذلك الصين. ومن غير المستغرب أن يُقوّض هذا المفاوضات، إذ سرعان ما تتعثر بسبب مطالبات بإعفاءات أو منح مرونة للدول التي تُعلن نفسها دولًا نامية.
ويوضح كاتب المقال أن:
- قواعد منظمة التجارة العالمية وُضعت على افتراض أن التجارة ستُدار بالأساس من قِبل جهات خاصة تسعى إلى تعظيم أرباحها.
- لكن هذا الافتراض لم يعد قائماً، فقد كانت الصين أول اقتصاد رئيسي منذ إنشاء منظمة التجارة العالمية يستخدم التجارة كأداة لتحقيق أهداف سياسية. ويتزايد اتباع العديد من الدول الغربية - ولا سيما الولايات المتحدة – للمثل.
- بالطبع، ينبغي انتقاد ترامب لتقويضه ما تبقى من النظام القائم على القواعد الذي كانت الولايات المتحدة تدافع عنه في السابق. لكن عدائه لمنظمة التجارة العالمية يعكس فشلاً جماعياً أوسع نطاقاً.
- كان الكثير منا يؤمن إيمانًا راسخًا بفوائد تحرير التجارة والترابط الاقتصادي الذي عززه. كنا نفترض أن مكاسب العولمة ستفوق تكاليفها.
- كان فقدان الوظائف متوقعًا، لكننا كنا نعتقد أنه سيُعوّض بخلق وظائف بأجور أفضل وإنتاجية أعلى. لكن تبيّن أن ذلك كان خطأً سياسيًا فادحًا. ونحن الآن نعيش عواقبه.
ملفات شائكة
يقول مستشار المركز العربي للدراسات، أبو بكر الديب لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":
- منذ عودة دونالد ترامب للبيت الأبيض ارتبط اسمه بملفات شائكة، أبرزها النزاعات التجارية التي أثارت جدلاً عالمياً، خصوصاً مع الصين والاتحاد الأوروبي. وقد أُطلق عليه أحياناً لقب "رجل الرسوم الجمركية"، واعتُبر في كثير من التحليلات مسؤولاً مباشراً عن "الفوضى التجارية" التي اجتاحت الأسواق العالمية.
- لكن لفهم السياق الأوسع، لا بد من الإقرار بأن التوترات التجارية لم تبدأ مع ترامب، بل تعود جذورها إلى تحولات أعمق في الاقتصاد العالمي، أبرزها انتقال الثقل الصناعي نحو آسيا، وتصاعد الاختلال في موازين التجارة الدولية، إضافة إلى تنامي الشعبوية الاقتصادية في عدد من الدول الكبرى.
- مع ذلك، لا يمكن إنكار أن إدارة ترامب لعبت دوراً محورياً في تأجيج هذه التوترات. فقد تجاوز الرجل حدود الانتقاد للنظام التجاري القائم إلى اتخاذ قرارات تنفيذية قلبت الطاولة على قواعد العولمة التي أرستها الولايات المتحدة نفسها بعد الحرب العالمية الثانية.
- فرض ترامب رسوماً جمركية أعلى حتى على الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة الذين لم يسلموا من تهديداته الاقتصادية.
ويضيف: أراد ترامب إعادة التوازن إلى التجارة الأميركية عبر استراتيجية "أميركا أولاً"، التي وإن بدت منطقية من منظور قومي، إلا أنها تجاهلت الترابط المعقد بين سلاسل الإمداد العالمية. فالصناعات الأميركية نفسها تضررت من هذه السياسات، إذ وجد كثير من المصنعين أنفسهم بين نارين: ارتفاع أسعار المواد المستوردة وخسارة أسواقهم الخارجية بسبب الردود الانتقامية.
لكنه يوضح أن العديد من السياسيين في واشنطن، سواء من الحزب الجمهوري أو الديمقراطي، عبّروا لعقود عن قلقهم من العجز التجاري المتزايد، خاصة مع الصين. غير أن ترامب كان أول من ترجم هذا القلق إلى فعل مباشر وحاد، متجاهلاً التقاليد الدبلوماسية والاقتصادية التي كانت تقودها المؤسسات الأميركية مثل وزارة الخارجية ومكتب الممثل التجاري.
ويعتقد بأن:
- ما فعله ترامب هو تسريع كشف التناقضات في النظام التجاري العالمي. فحتى منظمة التجارة العالمية باتت عاجزة عن ضبط الممارسات غير العادلة، فيما تغيرت علاقات الإنتاج والاستهلاك جذرياً بفعل التكنولوجيا وسهولة تنقل رؤوس الأموال.
- ترامب لم يخلق الفوضى من العدم، لكنه بلا شك أطلق شرارتها الكبرى، أو على الأقل جعلها أكثر وضوحاً.
- ولا يمكن إعفاء القوى الدولية الأخرى من المسؤولية. فالصين، مثلاً، تبنت سياسات صناعية توسعية وفرضت قيوداً على الاستثمارات الأجنبية، وحافظت على دعم قوي لشركاتها المملوكة للدولة.. كما مارست أوروبا حمائية مقنّعة في قطاعات عديدة، وأسهم الدول النامية بدورها، عبر محاولات حماية اقتصاداتها المحلية والتراجع عن التزاماتها التجارية، في تعقيد المشهد العالمي.
إعادة صياغة التجارة
وتحت عنوان "كيف أعاد دونالد ترامب صياغة التجارة العالمية؟"، يشير تقرير للمجلس الأطلسي، إلى أنه:
- في غضون سبعة أشهر، نجح دونالد ترامب في إعادة صياغة نظام تجاري عالمي استغرق بناؤه أكثر من 70 عاما.
- كان عملية الهدم وإعادة البناء أسهل مما تخيله الرئيس الأميركي نفسه على الأرجح؛ ذلك لأن دولاً أخرى أبدت استعدادها للتخلي سريعاً عن نظام التجارة القائم على القواعد، والذي اعتبره الكثيرون قبل بضع سنوات أساساً للازدهار الاقتصادي الدولي.
ويضيف التقرير: "عندما تولى ترامب منصبه في يناير، كان معدل التعرفات الجمركية الأميركية الفعلي على العالم حوالي 2.5 بالمئة، أما اليوم، فهو يتجاوز 15 بالمئة ويتزايد باستمرار. ومع تطبيق تعريفات الرئيس الجمركية لشهر أغسطس إلى جانب تعريفات قطاعية إضافية على النحاس والأدوية وسلع أخرى، سيقترب معدل التعرفات الأميركية من 20 بالمئة، وهو الأعلى منذ قرن، ويزيد ثمانية أضعاف تقريبًا عن معدله في بداية العام".
وينبه التقرير إلى أنه:
- لعقود، كان المفهوم الأميركي لاتفاقية التجارة يعني اتفاق الولايات المتحدة مع دولة أخرى أو مجموعة دول على إلغاء حواجزها الجمركية وغير الجمركية، سعياً لتعزيز الرخاء الاقتصادي المتبادل.
- لقد تجلى ذلك في اتفاقيات متنوعة، بدءاً من اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية، مروراً باتفاقية التجارة الحرة لأميركا الوسطى، ووصولًا إلى اتفاقية التجارة الحرة بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية.
- لكن ترامب أعاد تعريف معنى اتفاقية التجارة، فأصبحت تتضمن فرض رسوم جمركية مرتفعة (ولكن ليست بالقدر الذي تم التهديد به) - عادةً 15 بالمئة أو أكثر - على دولة أخرى. وفي المقابل، تلتزم الدولة الأخرى باستثمارات إضافية في الولايات المتحدة.
تراكمات متعددة الأبعاد
أستاذ العلاقات الدولية، الدكتور محمد عطيف، يقول لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":
- تُعدّ الفوضى التجارية العالمية التي شهدها العالم خلال العقد الأخير نتيجة لتراكمات متعددة الأبعاد.
- من أبرز تلك التراكمات التغيرات في موازين القوى الاقتصادية الدولية، والضغوط الواقعة على النظام التجاري متعدد الأطراف، والتحولات في أنماط الإنتاج والاستهلاك.
ويضيف: "في هذا السياق، اتخذت الإدارة الأميركية مجموعة من الإجراءات التجارية الأحادية، أبرزها فرض رسوم جمركية على واردات استراتيجية من عدة شركاء تجاريين، والدعوة إلى مراجعة الاتفاقات التجارية القائمة، وهو ما مثّل تحولاً عن السياسات الأميركية التقليدية الداعمة للعولمة الاقتصادية".
لكنه يشدد على أن:
- تحليل جذور الفوضى التجارية يتطلب تجاوز العوامل الظرفية المرتبطة بشخصيات سياسية معينة، نحو فهم أعمق للتحولات البنيوية التي عرفها الاقتصاد العالمي منذ أزمة 2008، والتي أدت إلى تزايد النزعة الحمائية وتراجع الثقة في المؤسسات الاقتصادية الدولية.
- كما أن صعود قوى اقتصادية ناشئة، مثل الصين والهند، أفرز توازنات جديدة في النظام التجاري، مما ولّد توترات بين مبدأ المنافسة الحرة ومصالح الدول الصناعية الكبرى.
- كل هذه العوامل البنيوية أسهمت في تعقيد البيئة التجارية العالمية، بصرف النظر عن الإدارة الأميركية القائمة.
- إضافة إلى ذلك، ساعدت أزمات لاحقة، مثل جائحة كوفيد-19 والحرب في أوكرانيا، في تسليط الضوء على هشاشة سلاسل الإمداد العالمية، مما دفع عددا من الدول إلى إعادة النظر في سياسات الانفتاح التجاري المطلق، سواء من خلال تنويع الشركاء أو تعزيز الإنتاج المحلي.
بناء على ذلك، يوضح عطيف أن الفوضى التجارية العالمية ليست نتاجاً مباشراً لسياسات ترامب فحسب، بل تعبير عن تطورات متشابكة تشمل تحولات في بنية الاقتصاد العالمي، وتحديات متزايدة تواجه النظام التجاري الدولي ككل.
0 تعليق