أسفر تحقيق استمر لعامين أجراه خفر السواحل الأمريكي عن كشف الأسباب الحقيقية التي أدت إلى انفجار غواصة تيتان التابعة لشركة أوشن جيت، والتي أودت بحياة جميع ركابها الخمسة في يونيو عام 2023. التقرير المفصل، الذي امتد لـ335 صفحة، وضع أمام الرأي العام ثمانية أخطاء جسيمة ومترابطة، كانت كافية لتشكيل وصف دقيق لما وصفه المحققون بـ"الكارثة المتوقعة".

وقد ركّز التحقيق على تفاصيل فنية وسلوكية داخل الشركة، مبرزًا كيف أن التجاهل الممنهج لمبادئ السلامة الأساسية أدى في نهاية المطاف إلى فقدان هيكلي مفاجئ تسبب في انفجار غواصة تيتان على عمق كبير تحت سطح المحيط الأطلسي.

تصميم خطير من البداية

أولى العوامل التي قادت إلى المأساة، بحسب التحقيق، كان تجاهل شركة أوشن جيت لمفاهيم التصميم الهندسي الضرورية لبيئة عالية المخاطر. فالغواصة تيتان، التي صُممت بشكل غير تقليدي باستخدام ألياف الكربون، لم تخضع لاختبارات ملائمة لمعايير الضغط الهائل في الأعماق. كما أن الشركة لم تُجرِ دراسة متكاملة لدورة حياة الغواصة، ما جعل استخدامها المتكرر دون تقييم علمي تهديدًا مستمرًا.

تجاهل متكرر لإشارات الخطر

وواصلت أوشن جيت استخدام الغواصة رغم تعرضها لعدة أضرار طفيفة خلال رحلات سابقة، دون إجراء تحليل شامل لهذه الحوادث. كذلك، أظهر التحقيق أن الشركة كانت تعتمد اعتمادًا مفرطًا على نظام مراقبة مباشر لحالة الغواصة دون الاستفادة الكاملة من البيانات المخزنة لتحسين الأداء أو اكتشاف الأعطال الهيكلية المحتملة.

خلل في بيئة العمل وثقافة السلامة

واحدة من النقاط الخطيرة التي تم تسليط الضوء عليها كانت ثقافة العمل السامة داخل الشركة، حيث تم تهميش الموظفين الذين حاولوا الإبلاغ عن مخاطر محتملة تتعلق بالسلامة. بل إن أحد المبلغين عن المخالفات تقدّم بشكوى في عام 2018 لم يتم التحقيق فيها أبدًا، ما يكشف عن سياسة تعتيم داخلية كانت تفضل إرضاء العملاء وتوفير التكاليف على حساب الأرواح البشرية.

غياب الصيانة والرقابة

أشار التقرير إلى أن الغواصة لم تتلق صيانة كافية خلال فترات عدم التشغيل، حيث أُهمل فحص الهيكل الخارجي وترميمه، مما جعل الغواصة عرضة للفشل البنيوي. هذا الإهمال الجسيم ساهم مباشرة في انفجار غواصة تيتان، الذي وقع نتيجة انهيار هيكلي مفاجئ تحت ضغط مائي هائل قُدر بـ4930 رطلاً لكل بوصة مربعة.

تصريحات مضللة وثقة زائفة

تحمّل التقرير مسؤولية مباشرة للرئيس التنفيذي لشركة أوشن جيت، ستوكتون راش، الذي كان قد صرّح مرارًا بأن الغواصة "غير قابلة للتدمير"، مما أعطى الركاب شعورًا زائفًا بالأمان. هذا النوع من التصريحات، وفق التحقيق، ساهم في التغطية على المخاطر الفعلية، وأضعف فرص تدخل مبكر كان قد يمنع وقوع الكارثة.

خلاصة التحقيق: كارثة يمكن تفاديها

توصل المحققون إلى أن كل العوامل المذكورة لو تم التعامل معها بجدية منذ البداية، لكان بالإمكان تفادي انفجار غواصة تيتان تمامًا. فالمشكلة لم تكن حادثًا عارضًا بل نتيجة سلسلة طويلة من الإهمال وسوء الإدارة والفشل المؤسسي.