نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
”علي عبدالله صالح.. المعركة الأخيرة”: وثائقي ”العربية” يُفجّر زلزالاً سياسياً ويفتح ملفات مغلقة في ذاكرة اليمن - كورة نيوز, اليوم الأحد 27 يوليو 2025 09:03 مساءً
أثار الفيلم الوثائقي "علي عبدالله صالح.. المعركة الأخيرة"، الذي بثّته قناة "العربية" مساء السبت، موجةً غير مسبوقة من التفاعل السياسي والشعبي في اليمن، مُعيداً إحياء واحدة من أكثر الفترات إثارةً للجدل في التاريخ الحديث للبلاد: لحظة اغتيال الرئيس الراحل علي عبدالله صالح في ديسمبر 2017.
الفيلم، الذي تناول بالتفصيل اللحظات الأخيرة من حياة الزعيم اليمني، تحوّل بسرعة إلى حدثٍ سياسي بحد ذاته، لا مجرد وثائقي استعادي، خاصةً مع الكشف عن شهادة نادرة وصادمة من نجل الرئيس الراحل، مدين علي عبدالله صالح، أطاحت برواية الحوثيين الرسمية حول مقتل والده، وفتحت أبواب التساؤلات والشكوك على مصراعيها حول خلفيات الواقعة، وطبيعة الخيانة التي قد تكون دبّرت ضد أحد أبرز الوجوه السياسية في اليمن.
مدين يقلب الرواية: "لم يُقتل في بيته، بل في كمين مسلح"
في مشهد يحمل طابعاً درامياً وسياسياً عالياً، كشف مدين صالح أن والده لم يُقتل داخل منزله في حي حدة بصنعاء، كما أعلنت جماعة الحوثي وكرّرت عبر وسائل إعلامها لسنوات، بل في كمين مسلّح نُصب له في قرية الجحشي، على الطريق المؤدية إلى مسقط رأسه في سنحان، أثناء محاولته الانتقال من موقع إلى آخر لاستكمال المواجهة مع الجماعة.
هذه الشهادة، التي وصفها مراقبون بأنها "انفجار مدوٍ في الوعي الجماعي"، تُعيد تشكيل الصورة الذهنية لمقتل صالح، من مشهد "هروب وانهيار" إلى مشهد "معركة مستمرة حتى اللحظة الأخيرة". وفتحت الباب على مصراعيه أمام سلسلة من التساؤلات المُلحة:
- من سرّب مسار تنقله؟
- هل كانت هناك خيانة من داخل معسكره؟
- ولماذا تحولت ليلة كان يُفترض أن تكون ليلة انتصار إلى فخ دموي؟
"الزلزال السياسي" يهز السوشال ميديا
لم تمضِ ساعات على بث الفيلم حتى اشتعلت منصات التواصل الاجتماعي في اليمن، وتصدر وسم #علي_عبدالله_صالح_المعركة_الأخيرة صدارة الترندات المحلية والعربية، مُسجلاً ملايين التغريدات والتعليقات.
في هذا السياق، تباينت الآراء بين من رأى في شهادة مدين "توثيقاً بطولياً جديداً" يُعيد لصالح هيبته كزعيم وقائد، وبين من شكّك في دوافع الفيلم، واعتبره محاولة "لإعادة هندسة التاريخ" أو حتى "تصفية حسابات سياسية" في ظل التحولات الجيوسياسية في المنطقة.
الإعلامي اليمني إبراهيم عسقين علّق بلهجة حماسية، قائلاً:
"الخلاصة أن صالح خرج من بيته بعد أن ثبت وقاتل بكل ضراوة... ومات شهيدًا في أرضه وعلى يد أوسخ جماعة عرفتها اليمن."
في المقابل، أبدى الصحفي فتحي بن لزرق سخرية لاذعة من شهادة مدين، معتبراً أن الفيلم قد "أحرج أنصار صالح أكثر مما أفادهم"، وكتب:
"اليوم هذا أكد أن أولاد المسؤولين يطلعون هبلان!"
ردود فعل سياسية نارية
لم تقتصر التفاعلات على المغردين، بل امتدت إلى صفوف النخبة السياسية والعسكرية. رئيس فرع المكتب السياسي للمقاومة الوطنية بمحافظة إب، كامل الخوداني، خرج ببيان حاد، أكد فيه أن "من يزور التاريخ هو من يحاول طمس حقيقة موقف صالح"، وقال:
"لسنا مزوري تاريخ، ولم يغادر صالح ميدان المعركة بل غيّر موقع تمركزه فقط... من الثنية إلى حصن عفاش طريق من نار ورصاص، لم يرفع فيها صالح يده مستسلماً ولا ألقى سلاحه."
وأضاف: "الزعيم لم يهرب، بل خطط لاستمرار المقاومة. من خانه، خان اليمن."
الإخوان والتشويه: هل تعيد الجماعات قراءة التاريخ؟
النقاشات توسعت لتمس صميم الصراعات الأيديولوجية والسياسية في اليمن، حيث انتقد الناشط عمار علي أحمد موقف بعض التيارات، خاصة المرتبطة بالإخوان المسلمين، من الوثائقي، وكتب غاضباً:
"ما شافوا من القصة إلا أحقادهم ومرضهم... أحداث ديسمبر كانت كابوس الحوثي، ومع ذلك يحاولون تسخيفها وكأنها لا تعني شيئاً."
وأشار إلى أن "الوثائقي لم يُظهر صالح بطلاً فحسب، بل كشف عن حجم الخيانة التي واجهها من الداخل، وهو ما يجب أن يُدرس بجدية".
هل الوثائقي رسالة سياسية من السعودية؟
بعض المراقبين، وعلى رأسهم الناشط السياسي بسام البرق، رأوا أن الفيلم ليس مجرد عمل إعلامي، بل "رسالة سياسية موجهة" تأتي في سياق محدد. وقال:
"الوثائقي قالها صراحة: صالح أدخل الحوثيين إلى صنعاء، وقُتل هارباً لا بطلاً، وهي رسالة إغلاق سياسي من السعودية لملف صالح نهائياً."
وأضاف البرق أن "التوقيت ليس عبثاً"، مشيراً إلى أن "السعودية، كراعٍ رئيسي للتحالف، تسعى إلى ترسيخ رواية تُبرّئ شركاءها في الحرب من أي تهمة بالتقاعس أو الخيانة، وتُحمّل صالح مسؤولية دخول الحوثي إلى صنعاء، ثم تُخلّد موته كنهاية منطقية لمشروع فاشل".
خلفية دامية: ديسمبر 2017، نهاية التحالف وبداية الأسطورة
يُذكر أن الرئيس السابق علي عبدالله صالح أعلن في 2 ديسمبر 2017 انتهاء التحالف مع جماعة الحوثي، ودعا الشعب اليمني للانتفاض ضدهم، بعد سنوات من التحالف المضطرب الذي أوصل الجماعة إلى صنعاء. لكن بعد 48 ساعة فقط، قُتل صالح في كمين مسلح، بينما كانت قواته تنسحب من العاصمة باتجاه سنحان.
منذ ذلك الحين، ظلّت رواية مقتله موضع خلاف حاد: الحوثيون ادعوا أنه قُتل "وهرباً من المعركة"، بينما أنصاره أصروا على أنه "استُشهد في معركة شرسة". واليوم، وبعد ثماني سنوات، تعيد شهادة مدين فتح هذا الملف، ليس فقط كسؤال عن مكان القتل، بل كاستفسار أعمق: هل طُعِن صالح من خاصرته لا من عدوه؟
علامة استفهام تهز الذاكرة الوطنية
"علي عبدالله صالح.. المعركة الأخيرة" ليس مجرد فيلم، بل هو مرآة تعكس تعقيدات السياسة اليمنية، وصراع الروايات، وثمن الخيانة. لقد نجح في إعادة إحياء لحظة مفصلية، ليس فقط لتذكير اليمنيين بماضيهم، بل لدفعهم إلى التفكير: من يكتب التاريخ؟ ومن يُعيد تشكيله؟
وفي ظل غياب العدالة، وغياب المحاسبة، تبقى الشهادات، والوثائقيات، والذاكرة الجماعية، هي الميدان الأخير حيث تُحاكم الأحداث، وتُسجّل الحقيقة... أو ما يُعتقد أنها الحقيقة.
0 تعليق