ما سبب ازدهار العمالة غير القانونية في ألمانيا؟ - كورة نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
ما سبب ازدهار العمالة غير القانونية في ألمانيا؟ - كورة نيوز, اليوم الاثنين 4 أغسطس 2025 02:49 صباحاً

فيما ينكمش الاقتصاد الألماني؛ تزدهر العمالة غير القانونية في البلاد. فهل لذلك علاقة بالوضع الاقتصادي؟ وما الدور الذي يلعبه في إثارة الجدل حول الإعانات التي تقدمها الدولة للعاطلين عن العمل والتي تعرف بـ "أموال المواطن"؟

الاقتصاد الألماني يشهد انكماشا منذ سنوات وحتى في عام 2025 لا يُتوقّع سوى نمو طفيف. لكن العمالة غير القانونية تشهد ازدهارا وكذلك جميع الأنشطة الاقتصادية التي تتم في الظل. فما السبب وراء ذلك خاصة عندما ترتفع نسبة هذه الاقتصاديات غير الرسمية في الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من 11 بالمئة خلال عام واحد فقط؟

في عام 2024 بلغ حجم الاقتصاد الموازي 482 مليار يورو متجاوزا بذلك ميزانية الدولة الاتحادية، وهو أعلى مستوى منذ ما يقرب من عشر سنوات. أما بالنسبة لعام 2025 فيتوقع الخبير الاقتصادي فريدريش شنايدر من جامعة لينس، أن يصل الرقم إلى 511 مليار يورو أي بزيادة جديدة قدرها 6.1 بالمئة.

ويراقب شنايدر هذه الظاهرة منذ أكثر من 40 عاما. وبدلا من استخدام مصطلح "العمل غير القانوني" يفضّل مصطلح  "الاقتصاد الموازي". ويقول في مقابلة مع DW: "هذه أنشطة اقتصادية قانونية في الأصل مثل إصلاح السيارات أو التنظيف، لكنها تُنجز خارج نطاق رقابة الدولة دون دفع أي ضرائب أو مساهمات اجتماعية" وتعرف "بالعمل الأسود". ويضيف أن الأنظمة القانونية مثل الحد الأدنى للأجور أو الحد الأقصى لساعات العمل لا تُطبّق في هذه الحالات.

وبالمقارنة مع الناتج المحلي الإجمالي تحتل ألمانيا مرتبة متوسطة بين الدول الصناعية فيما يخص الاقتصاد الموازي بنسبة تتراوح بين 11 و12 بالمئة. أما في رومانيا فتصل النسبة إلى 30 بالمئة، وفي اليونان حوالي 22 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي. وللوصول إلى هذه الأرقام يقارن الباحث في المقام الأول كمية النقود المتداولة بحجم النشاط  الاقتصادي الرسمي.

تراجع في الالتزام الضريبي

لكن ما هي العوامل الحاسمة وراء ارتفاع العمالة غير القانونية والاقتصاد الموازي؟ هنا يلعب شعور المواطنين بدفع ضرائبومساهمات مرتفعة دورا مهما، كما يؤكد شنايدر. ويقول: "في ألمانيا يشعر الناس بشكل واضح بأن خدمات القطارات سيئة وأن العديد من الجسور والطرق السريعة متهالكة وتحتاج إلى إصلاح مما يؤدي إلى اختناقات مرورية وتأخيرات طويلة. وعندما يشعر المواطن أنه لا يحصل من الدولة على خدمات جيدة مقابل ما يدفعه فإن التزامه بدفع الضرائب يتراجع".

ولا يستغرب الخبير الاقتصادي الألماني النمساوي، شنايدر، من أن الكثير من الناس يعملون بشكل غير قانوني. وبالنسبة إليه تُعتبر العمالة غير القانونية "تمردا ضريبيا من المواطن البسيط". وليس المقصود هنا التهرب الضريبي على نطاق واسع، بل "بالنسبة للمعلم تكون هنا الدروس الخصوصية وبالنسبة لعامل تركيب البلاط يكون الحمام المُبلّط". ويضيف شنايدر: "عندما تكون الأعباء الضريبية مرتفعة، وفي المقابل تكون خدمات الدولة ممتازة يمكن تقبّل ذلك. لكن في ألمانيا لدينا وضع يتمثل في أن العبء الضريبي مرتفع جدا أي أن نسبة الاقتطاعات من الأجور عالية، في حين أن ما تقدمه لي الدولة مقابل ذلك غير مرضٍ في نواحٍ كثيرة".

نصائح وحيل للعمل في السوق الألماني

"تمرد ضريبي من المواطن البسيط"

عندما ترتفع معدلات البطالة وتقل الطلبات ولا يتم القيام بساعات عمل إضافية ويتم تقليص ورديات العمال، حينها يحل وقت ازدهار العمالة غير القانونية. ويقول شنايدر إن الأشخاص المتأثرين يفكرون بهذه الطريقة: "الآن أصبح لديّ دخل أقل من عملي الرسمي، لكنني لا أزال أرغب في قضاء إجازة أو الاستمتاع بأمور أخرى. والطريقة الأسهل لتحقيق ذلك هي العمل بشكل غير قانوني لتعويض النقص". ويضيف: "وهذا ما ألاحظه منذ أكثر من 40 عاما: عندما يضعف الاقتصاد تزدهر العمالة غير القانونية" في ظل الانكماش الاقتصادي.

مزيج مربح من دعم المواطنين والعمالة غير القانونية

يُثار جدل كبير في الأوساط الألمانية حول دعم المواطنين. ويعتقد المنتقدون أن المساعداتوالإعانات الاجتماعية المرتفعة في ألمانيا تُشجّع على العمالة غير القانونية أي "العمل الأسود". ويقول شنايدر إنه بعد رفع قيمة الإعانات الاجتماعية التي تعرف بأموال المواطنين (Bürgergeld) بنسبة تفوق 12 بالمئة اعتبارا منذ بداية يناير 2024 "تخلّى حوالي 88 ألف إلى 100 ألف شخص عن وظائفهم البسيطة وهي وظائف في قطاعات تعاني من نقص في الأيدي العاملة".

وتجدر الإشارة إلى أن أكثر من ثلث ميزانية الدولة الاتحادية يُخصص حاليا بالفعل لقطاع العمل والشؤون الاجتماعية. وبحسب موقع البرلمان الألماني تتوقع وزيرة العمل، بيربل باس، أن تصل نفقات إعانات المواطنين (Bürgergeld) في عام 2025 إلى ما يقارب 52 مليار يورو أي أكثر بحوالي خمسة مليارات يورو مقارنة بالعام السابق.

من هذا المبلغ يُخصّص حوالي 29.6 مليار يورو للمدفوعات الشهرية لحوالي  5.64  مليون شخص من مستحقي هذه الإعانات. كما تم تخصيص حوالي 13 مليار يورو لتغطية تكاليف الإيجار والتدفئة، أما الباقي فيُوجّه لبرامج إدماج العاطلين عن العمل وتأهيلهم لسوق العمل وتكاليف الإدارة.

النقاش حول الإعانات وعبئها الثقيل على الدولة والميزانية الاتحادية حاد وفي أوجه. وقد اقترح المستشار فريدريش ميرتس وضع حدود للدعم المخصص للسكن لمتلقي هذه الإعانة، وهو ما قوبل بانتقادات شديدة من بعض أعضاء الحزب الاشتراكي الديمقراطي الشريك في الائتلاف الحكومي والمعارضة.

واعترفت الوزيرة بيربل باس مؤخرا بأن الدعم الحكومي يجذب أيضا مجرمين. ففي مقابلة مع مجلة "شتيرن" تحدثت عن وجود "هياكل مافيوية" في حالات الاحتيال على نظام الدعم الاجتماعي.

وأشارت إلى هياكل استغلالية يُستدرج فيها أشخاص من الخارج إلى ألمانيا ويتم تشغيلهم بشكل غير قانوني من قبل مجرمين، بينما يتقدّمون في الوقت نفسه بطلب للحصول على الدعم الحكومي!

"نموذج الأجر التكاملي الخاص"

هذا المزيج من العمالة غير القانونية والاحتيال على الدعم الاجتماعي، لاحظه ماركوس كاربوم بشكل متكرر. وهو مدرّب قدم العديد من الدورات التدريبية للتأهيل الوظيفي لمتلقي الإعانة الاجتماعية "أموال المواطنين" في منطقة برلين الكبرى. ويُطلق على هذا المزيج من العمل القانوني والعمل الأسود والإعانة اسم "نموذج الأجر التكاملي الخاص".

ويقول ماركوس كاربوم في حديثه مع DW "هناك أصحاب عمل لا يقدّمون لموظفيهم عددا كافيا من  ساعات العمل بحيث لا يستطيع الموظف الاعتماد على هذا الدخل وحده لتغطية نفقاته." ويوضح بأن "نموذج الأجر التكاملي الخاص" يتكوّن من ثلاث مكونات: دخل قانوني من وظيفة بدوام جزئي أو ما يُطلق عليه بالالمانية "ميني-جوب" ودخل غير قانوني من عمل أسود خاصة في قطاعات مثل قطاع المطاعم والتي "تكون عرضة للتعامل بالنقود غير المصرح بها". والجزء الثالث يتمثل في ما يقوله صاحب العمل للموظف الذي لا يكفيه هذا الدخل للعيش: "بإمكانك الحصول على الباقي من مركز العمل (Jobcenter).". ويضيف كاربوم "هذه هي المكونات الثلاث التي لاحظتها كثيرا في عملي المهني".

موظف وموظفة من الجمارك موظف وموظفة من الجمارك 

"احتيال هيكلي"

ويضيف أن هناك أيضا نوعا من عقلية المطالبة بالحقوق، حيث يقول أحدهم "أنا أمتلك حق الحصول على إعانة أموال المواطن-Bürgergeld، وأمتلك حق الاستفادة من المساعدات الاجتماعية. لا تأخذوا مني هذا الحق أو تمنعوا هذه الأموال عني"، ويعلق كاربوم هكذا "يمكننا وصف هذه الذهنية (الاحتيالية)".

ويقول كاربوم إنه التقى بأشخاص يأتون إلى دورات التدريب على كيفية تقديم طلب لوظيفة أو عمل بسيارات حديثة فارهة ويحملون أحدث الهواتف الذكية ويخبرونه أنهم "يسافرون مرة واحدة في السنة، حسب ما يسمح به مركز العمل هنا لمدة ثلاثة أسابيع مع العائلة بأكملها إلى الخارج لقضاء العطلة". ويضيف: "هذا الأمر لا يمكن تغطيته من إعانة أموال المواطنين (Bürgergeld)، لكنه يحدث في الواقع العملي. هذه حالات فردية طبعا ولا نتحدث عن الأغلبية". ويؤكد: "لكنها تحدث وهذا بالتأكيد مؤشر على وجود احتيال هيكلي".

ولمكافحة هذا النوع من الاحتيال يرى كاربوم أنه يجب أن يكون هناك مزيد من تبادل البيانات والمطابقة بين الجهات الرسمية المختصة. وهذا ما تخطط له أيضا الحكومة الائتلافية مثل التنسيق بين مراكز العمل والجمارك التي تتولى مكافحة ومراقبة حالات العمالة غير القانونية "العمل الأسود". ويتفق معه في ذلك أيضا الخبير الاقتصادي فريدريش شنايدر. لكن بعد حوالي 40 عاما من التحليل العلمي يعرف هذا الاقتصادي أن العامل الأهم هو  ازدهار الاقتصاد: "عندما نكون في مرحلة ازدهار مطلقة تنخفض العمالة غير القانونية أيضا". 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق