نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
لماذا صمتت العائلة 8 سنوات؟ سؤال يُطرح بعد كشف مدين عن تفاصيل مقتل صالح - كورة نيوز, اليوم الأحد 27 يوليو 2025 07:55 مساءً
في تصريحٍ مفاجئ يُعيد فتح ملفاً داميًا ظل مغلقًا طيلة ثماني سنوات، كشف مدين نجل الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، لأول مرة، عن رواية جديدة ومغايرة تمامًا لما كان سائدًا حول ظروف مقتل والده في 4 ديسمبر 2017.
وقال مدين صالح : "والدي لم يُقتل داخل منزله في حي الثنية بصنعاء، كما تواردت الروايات منذ لحظة استشهاده، بل قُتل في قرية الجحشي، أثناء محاولته الخروج من العاصمة صنعاء للوصول إلى قريته الأصلية "حصن عفاش" في مديرية سنحان، معقل العائلة التاريخي".
هذا التصريح يُعدّ أول اعتراف رسمي من داخل أسرة صالح يُناقض الرواية التي ظلت تُروّجها قيادات حزب المؤتمر الشعبي العام وأنصار الرئيس الراحل على مدى سنوات، والتي تؤكد أن صالح قُتل وهو "يقاوم في شوارع صنعاء"، في مشهد بطولي، دفاعًا عن الجمهورية وعن الشرعية، في مواجهة ميليشيا الحوثي التي انقلبت عليه بعد تحالف طويل بين الطرفين.
وأضاف مدين: "الحقيقة أن والدي، في لحظة انهيار التحالف مع الحوثيين، قرر مغادرة العاصمة. لم يكن يخطط للفرار من البلاد، بل كان يسعى للوصول إلى قريته، ربما لاستجماع قواته أو لتنظيم المقاومة من هناك. لكنه تم رصده في قرية الجحشي، وهناك تعرض لإطلاق نار كثيف أدى إلى استشهاده".
أسطورة "الشهيد المقاتل" تتهاوى أمام "الهارب المنكسر"؟
ما يجعل هذا التصريح بالغ الأهمية، أنه لا يتعلق فقط بتغيير في موقع الوفاة، بل يطال جوهر السردية السياسية التي بُنيت حول مقتل علي عبدالله صالح.
لثماني سنوات، ترسّخت في وعي مؤيدي المؤتمر الشعبي صورة "الزعيم الجمهوري" الذي قاوم حتى اللحظة الأخيرة، واستُشهد وهو يدافع عن الجمهورية، في مشهد يُشبه بطلًا أسطوريًا يُسقطه الخيانة لا الهزيمة. هذه الصورة، كما يرى مراقبون، كانت ضرورية لبقاء الحزب حيًا سياسيًا، ولإبقاء جذوة الولاء النضالي مشتعلة بين القواعد الشعبية.
لكن الرواية الجديدة، التي يقدمها الابن الأقرب، تُعيد رسم المشهد بشكل جذري: زعيم منهار، يغادر العاصمة في ليل دامس، يحاول الوصول إلى ملاذ آمن، ويُقتل على طريق معزول، في مشهد لا يخلو من درامية السقوط، لا البطولة.
هل كان يخطط للهروب؟ أم للقتال من الداخل؟
ولا تزال التساؤلات مفتوحة حول نوايا صالح في تلك اللحظات الحاسمة. فبينما تشير رواية مدين إلى أن والده كان يتجه نحو قريته "لإعادة التموضع"، تنتشر روايات أخرى، لم يُنفِها مدين، تفيد بأن صالح كان ينتظر طائرة في محيط صنعاء، إما لنقله إلى جهة خارجية، أو على الأقل إلى منطقة آمنة خارج سيطرة الحوثيين.
لكن السؤال الأهم، كما يطرحه المراقبون، ليس فقط في "أين قُتل؟"، بل في "لماذا الآن؟"، و"لماذا تحدث مدين بعد كل هذه السنوات من الصمت؟"، و"لماذا لم تُكشف الحقيقة من قبل؟".
صمت العائلة وغياب طارق... أسئلة تطفو على السطح
وأثار التصريح تساؤلات حول صمت العائلة طيلة السنوات الماضية، خصوصًا أن مدين، إلى جانب شقيقه صلاح، كانا الوحيدَين من بين أبناء علي عبدالله صالح الذين بقوا معه في صنعاء حتى اللحظات الأخيرة، وشاركوا في مواجهة الحوثيين.
لكن ما لفت انتباه المتابعين، هو إغفال مدين تمامًا لذكر طارق محمد عبدالله صالح، الذي كان يُنظر إليه على أنه "اليد العسكرية" للرئيس الراحل، وقائد ما عُرف بـ"حرس الرئيس" و"القوات الخاصة".
فأين كان طارق وقت مقتل والده؟ ولماذا لم يُذكر في الرواية الجديدة؟ وهل كان خارج صنعاء؟ أم أن هناك تباينًا في الموقف داخل العائلة نفسها؟
تظل هذه الأسئلة معلقة، لكن غياب طارق عن المشهد في تلك اللحظات المصيرية، قد يُقرأ كمؤشر على تفكك داخلي، أو على خلافات استراتيجية حول كيفية التعامل مع الانقلاب الحوثي، أو حتى على تفاهمات لم تُكشف بعد.
الحقيقة والتوقيت: لماذا الآن؟
يعتقد مراقبون أن كشف هذه الرواية في هذا التوقيت ليس مصادفة. فبعد ثماني سنوات من الحرب، وانهيار تحالفات، وصعود طارق صالح كقوة عسكرية بارزة في جبهة المواجهة مع الحوثيين، قد يكون هناك رغبة في "تصفية حسابات تاريخية"، أو في إعادة تعريف دور العائلة، وتحديد "الورثة السياسيين" للراية.
ربما يسعى مدين، عبر كشف الحقيقة، إلى استعادة زمام السردية من يد طارق، الذي استثمر في صورة "ابن الشهيد المقاوم"، وبنى حولها مشروعه العسكري والسياسي في الساحل الغربي.
الحقيقة التاريخية تُكتب مجددًا
في النهاية، يرى مراقبون أن كشف الحقيقة، مهما كانت مرّة، هو خطوة ضرورية لكتابة التاريخ بدقة. فمقتل علي عبدالله صالح ليس مجرد حدث دموي، بل نقطة تحوّل جوهرية في تاريخ اليمن الحديث، أطاحت بتحالف استراتيجي، وفتحت الباب أمام تمدد الحوثيين في صنعاء، وغيّرت خريطة الحرب.
ومع ظهور روايات جديدة، تبدأ مرحلة إعادة بناء الصورة الكاملة، ليس فقط لموقع الوفاة، بل لسياق السقوط، وانهيار التحالف، وانقسام العائلة، وتداعيات الخيانة.
لكن بين صورة "المقاتل الشجاع" في شوارع صنعاء، وصورة "الزعيم الهارب" على طريق سنحان، تبقى القصة واحدة، لكن السردية مختلفة. والسؤال الأكبر اليوم: من يملك اليوم حق سرد هذه القصة؟
0 تعليق