تتسارع مبادراتُ البنوكِ المركزية في آسيا وأوروبا وأميركا اللاتينية لاعتماد العملة الرقمية السيادية، بعدما تجاوزت مرحلة الأوراق البيضاء لتدخل نطاق التجارب العملية على شبكات دفاتر موزَّعة مُرخَّص بها. وتهدف هذه الخطوة إلى تسوية المدفوعات عبر الحدود في ثوانٍ معدودة وخفض الرسوم المرتبطة بسلاسل البنوك المراسلة التقليدية.

تركِّز المشاريع الرائدة—مثل منصّتَي mBridge و Icebreaker بإشراف بنك التسويات الدولية—على التسويات بالجملة بين المصارف، عبر تحويل الاحتياطيات إلى سجلٍّ مشترك يوفّر وقت التحويل ويحدّ من مخاطر الطرف المقابل، الأمر الذي ينعكس إيجاباً على أسواق فوركس العالمية بفضل تحسين سرعة وكفاءة التدفقات.

على مستوى السيولة، يُعَدّ مشروع الدرهم الرقمي نموذجاً واضحاً لتأثير العملات الرقمية السيادية؛ فالتسوية شبه الفورية تُمكّن البنوك من إعادة تدوير رؤوس أموالها مراراً خلال اليوم الواحد، وتقلّل الاعتماد على حسابات «نوسترو» المكلفة وخطوط الائتمان الوقائية، ما يضيق فروق الأسعار ويُسرّع تنفيذ الأوامر.

وتمتدّ خططُ كثيرٍ من البنوك المركزية لاحقاً إلى مدفوعات التجزئة، مع توظيف العقود الذكية لإجراء عمليات تحصيل وفوترة آلية وتقليل مخاطر الاحتيال. غير أنّ الوضوحَ الكاملَ على دفتر السجلّ يطرح تحديات خصوصية، ما يدفع الجهات التنظيمية إلى صياغة أُطر حوكمة توازن بين الشفافية وحماية البيانات.

من جانب مزوّدي السيولة وصنّاع السوق الخوارزميين، يُتوقَّع دمج مسارات عملات البنوك المركزية الرقمية في أجهزة توجيه الطلبات الذكية لتقليص فروق الأسعار وإتاحة تسعيرٍ دقيقٍ يصل إلى أجزاءٍ من النقطة الواحدة. أمّا المتداولون الأفراد، فيستفيدون من محافظَ متعدّدةِ العملات داخل منصة واحدة، لكنهم يواجهون ضرورة تحسين إدارة النقد مع اختلاف تكاليف التمويل بين الرموز.

من جهة أخرى ,تشير جداولُ الإطلاق المعلنة إلى انتقالٍ تدريجيٍّ من تجارب الجملة إلى انتشارٍ أوسع خلال النصف الثاني من العقد الجاري، ما قد يُعيد رسم خريطة سيولة أسواق العملات بعيداً عن المراكز التقليدية. ويوصي محلِّلون المتعاملين الصغار والمؤسسات الناشئة بمراقبة تطوّرات الحفظ والتسوية والتهيؤ لبنيةٍ تحتيةٍ جديدة قد تغيّر أساليب إدارة المخاطر وتنفيذ الأوامر بصورة جذرية.