نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
عائدات لا تقاوم.. هل أصبحت الرسوم "إدمانا ماليا" لأميركا؟ - كورة نيوز, اليوم الخميس 7 أغسطس 2025 08:12 صباحاً
ففي إطار سعيه لإعادة تشكيل النظام التجاري العالمي، فرض الرئيس ترامب ومنذ توليه مقاليد الحكم في أميركا للمرة الثانية، تعرفات جمركية باهظة، على جميع الشركاء التجاريين لبلاده، كان أبرزها ما تم الإعلان عنه في 2 أبريل 2025، أو ما بات يُعرف باسم "يوم التحرير" أو Liberation Day.
وبينما تتجه أنظار العالم إلى تاريخ 7 أغسطس 2025، موعد دخول حزمة جديدة من الرسوم الجمركية الأميركية حيّز التنفيذ، كشفت البيانات عن قفزة كبيرة في عائدات الضرائب على السلع المستوردة إلى الولايات المتحدة خلال هذا العام، وذلك بفعل الرسوم الجمركية وبعض الضرائب على الإنتاج.
وقد بلغت الإيرادات المُحصلة حتى نهاية يوليو 2025 نحو 152 مليار دولار، أي ما يقارب ضعف الإيرادات المُسجّلة في الفترة نفسها من السنة المالية 2024، والتي بلغت 78 مليار دولار، وذلك وفقاً لبيانات وزارة الخزانة الأميركية.
رسوم ترامب تفرض منطقها
وتفتح هذه الأرقام الكبيرة شهية الساسة من مختلف الأطياف في أميركا، حيث أن التحوّل الذي احدثته سياسة ترامب في أسلوب تحقيق البلاد لإيرادات ضخمة، سيجعل من خيار التخلي عن الرسوم الجمركية في المستقبل أمراً مستحيلاً، فبحسب تقرير أعدته "نيويورك تايمز"، واطّلع عليه موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، فإن الرئيس الأميركي دونالد ترامب لطالما حلم باستبدال الضرائب على الدخل بالرسوم الجمركية، وهو كثيراً ما كان يُشير بشغف إلى السياسة المالية الأميركية في أواخر القرن التاسع عشر، عندما لم تكن هناك ضريبة دخل وكانت الحكومة تعتمد على الرسوم الجمركية، مُستشهداً بذلك كنموذج للمستقبل.
كما دأب ترامب على اعتبار أن نهج الرسوم الجمركية يُعدّ انتصاراً للولايات المتحدة، وهو جادل أعضاء إدارته بأن الأموال الناتجة عن هذه الرسوم، ستساعد في سد الفجوة التي أحدثتها التخفيضات الضريبية الواسعة التي أقرها الكونغرس الشهر الماضي.
من سيجني ثمار الرسوم؟
وبالفعل بدأ بعض المسؤولين في واشنطن، بالتفكير في كيفية استخدام العائدات الضخمة التي تولدها الرسوم الجمركية، حيث طرح الرئيس الأميركي مؤخراً فكرة تقديم خصم نقدي للمواطنين الأميركيين من عائدات تلك الرسوم، مشدداً على أن الأولوية الأهم تبقى لسداد الديون، في حين قدّم السيناتور الجمهوري جوش هاولي، عن ولاية ميزوري، مشروع قانون يقترح منح 600 دولار لعدد كبير من الأميركيين.
"إدمان" يصعب التخلي عنه
ويتوقع المحللون أن الرسوم الجمركية وفي حال بقيت سارية، ستدر إيرادات إضافية تزيد قيمتها عن تريليوني دولار خلال العقد المقبل.
ورغم أن عدداً كبيراً من الاقتصاديين يأملون في تراجع واشنطن عن فرض هذه الرسوم، إلا أن البعض يقرّ بأن هذا التدفق الضخم من الإيرادات، قد يصعب الاستغناء عنه في نهاية المطاف، حيث يرى جواو غوميز، الخبير الاقتصادي في كلية وارتون بجامعة بنسلفانيا، أن هذا النوع من الإيرادات يصبح أشبه بالإدمان، فمن الصعب جداً التخلي عن مصدر دخل كبير في ظلّ تفاقم العجز والدين العام.
وفي السياق نفسه، يقول إرني تيديشي، مدير الاقتصاد في مختبر الميزانية بجامعة ييل والمسؤول السابق في إدارة بايدن، إن القادة المستقبليين في واشنطن، سواء كانوا من الجمهوريين أو الديمقراطيين، قد يترددون في إلغاء الرسوم الجمركية إذا تبيّن أن ذلك سيزيد من عبء الدين على أميركا، وهو الأمر الذي سيتسبب بإثارة قلق وول ستريت بالفعل. فاستبدال عائدات الرسوم الجمركية بنوع آخر من الضرائب سيتطلب من الكونغرس اتخاذ إجراءات تشريعية معقدة، في حين أن الرسوم الجمركية تعتبر قراراً موروثاً اتخذه رئيس سابق.
وبحسب تقرير صحيفة "نيويورك تايمز"، فإن الديمقراطيين وفي حال عودتهم إلى السلطة قد يجدون صعوبة في مقاومة إغراء استخدام إيرادات الرسوم الجمركية لتمويل برامج اجتماعية جديدة، خصوصاً إذا استمرت التعقيدات في تمرير الزيادات الضريبية عبر الكونغرس، وهذا ما سيجعل من قرار الإبقاء على الوضع الراهن خياراً سياسياً أكثر سهولة من خوض معركة لتغيير مسار السياسة التجارية.
ويؤكّد تايسون برودي، الخبير الاستراتيجي في الحزب الديمقراطي، أن الرسوم الجمركية تُحدث تحولاً عميقاً، مشيراً إلى أن الفكرة التي بدأت تترسخ بين الديمقراطيين، هي أن إلغاء الرسوم الجمركية سيكون مستحيلاً تقريباً، في حين أنه سيكون هناك قدر كبير من المال لاستخدامه وإعادة برمجته.
شكل جديد من "الإيرادات السيادية"
وتقول الكاتبة والمحللة الاقتصادية باتريسيا جلاد، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن سياسة الرسوم الجمركية التي ينتهجها الرئيس ترامب، ليست مجرد أداة تجارية مؤقتة، بل تحولت اليوم إلى مصدر إيرادات رئيسي جديد للحكومة الأميركية، حيث يُمثّل هذا التوجه تحولاً جذرياً في السياسة المالية للولايات المتحدة، مشيرة إلى أنه في ظل تراكم الديون الأميركية، التي تجاوزت سقف الـ 36 تريليون دولار في يونيو 2025، فإن النقد السريع الذي توفّره الرسوم الجمركية يُعد بمثابة طوق نجاة للخزينة الفيدرالية، خصوصاً أنه يخلق هامشاً مالياً إضافياً لتمويل الإنفاق أو خفض العجز، دون الحاجة إلى المساس بالبرامج الاجتماعية أو الدفاعية.
وتعتقد جلاد أن الولايات المتحدة الأميركية خلال عهد ترامب، أصبحت أمام شكل جديد من "الإيرادات السيادية"، التي لا تعتمد على دافع الضرائب الأميركي، بل على الاقتصاد العالمي ذاته، وهذا تطوّر بالغ الذكاء في زمن، تتزايد فيه الضغوط على الميزانيات العامة حول العالم، لافتة إلى أن الأمر المثير للاهتمام، هو أن هذا المسار سيسمح للحكومة الفيدرالية، بمعالجة قضايا هيكلية، مثل الدين العام والعجز دون الحاجة لفرض ضرائب غير شعبية، وهو ما يفسّر بدء دوائر صنع القرار في أميركا، بالتعامل مع هذه العائدات كجزء دائم من النظام المالي لا كدخل ظرفي مؤقت.
إدمان مالي غير سلبي
وشددت جلاد على أنه إذا نظرنا إلى المسار المستقبلي، نجد أن "الإدمان المالي" على الرسوم الجمركية، ليس بالضرورة أمراً سلبياً كما قد يصوّره البعض، بل هو انعكاس لتحوّل بنيوي في طبيعة التمويل العام، فهذه الرسوم باتت أداة مزدوجة، إذ تدرّ دخلاً ثابتاً من جهة، وتخلق دينامية داخلية لتوطين الصناعات، واستعادة التوازن التجاري من جهة أخرى، معتبرة أنه إذا ما تم استثمار هذه العائدات بذكاء في البنية التحتية والتعليم والابتكار، فإننا قد نكون أمام لحظة تحول استثنائية، في تاريخ الاقتصاد الأميركي قوامها تمويل مستدام، ونمو ذاتي، واستقلالية مالية أكبر عن الأسواق العالمية.
مسار يحمل مخاطر واضحة
من جهته يرى المحلل الاقتصادي جورج فرح، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن الإيرادات الناتجة عن الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب، منحت أميركا مساحة مالية للتحرّك خلال فترة زمنية قصيرة جداً، ولكن من الناحية الاقتصادية، فإن هذا المسار يحمل مخاطر واضحة، حيث تؤدي الرسوم الجمركية أيضاً إلى رفع أسعار السلع المستوردة، ما ينعكس مباشرة على المستهلك الأميركي، فعلى المدى القصير تؤدي الرسوم الجمركية إلى زيادة أسعار السلع لا سيما في قطاعات تعتمد على سلاسل توريد عالمية مثل الإلكترونيات والسلع الاستهلاكية، ما ينعكس مباشرة على المستهلك الأميركي من خلال ارتفاع تكاليف المعيشة، ما يؤدي بالتالي إلى تغذية الضغوط التضخمية.
بديل زائف للنمو
وحذّر فرح من أن الاعتماد المتزايد على الرسوم الجمركية، كمصدر تمويل ثابت قد يُشبه في مفعوله "الإدمان السامّ" على المدى الطويل، فهذه العائدات ورغم ضخامتها الظاهرية، تأتي على حساب تنافسية الاقتصاد الأميركي في العمق وتحوّل السياسة التجارية الأميركية، إلى أداة جباية بدلاً من أن تكون أداة استراتيجية لتعزيز النمو والتكنولوجيا والصناعة، معتبراً أن هذه العائدات لا تمثل نمواً حقيقياً، بل هي بديل زائف يعتمد على "الهجوم على حصد الأموال" الذي يخلق حالة من الاعتماد المؤسسي على الرسوم، وهو المسار الذي يصعب كسره لاحقاً دون تكاليف سياسية واقتصادية باهظة.
وشدد فرح على أن الخطر الحقيقي لما يحصل، لا يكمن فقط في الأثر التضخمي أو ارتفاع أسعار السلع، بل في إعادة تعريف وظيفة الدولة الأميركية في الاقتصاد العالمي، فبدلاً من أن تلعب واشنطن دور القوة التي تدفع نحو تحرير الأسواق، وتعزيز التبادلات التجارية، تتحول تدريجياً إلى دولة تجني إيراداتها من تقييد تدفق البضائع، وهو ما يتعارض مع الأسس الليبرالية التي أسّست عليها النظام التجاري العالمي بعد الحرب العالمية الثانية.
0 تعليق