هيروشيما وغزة: بين الدمار النووي وجريمة الإبادة الجماعية - كورة نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
هيروشيما وغزة: بين الدمار النووي وجريمة الإبادة الجماعية - كورة نيوز, اليوم الثلاثاء 5 أغسطس 2025 10:07 مساءً

مع حلول الذكرى الثمانين للقصف النووي لمدينة هيروشيما في السادس من أغسطس عام 1945، تتجدد الأسئلة حول طبيعة الدمار الذي تُحدثه الحروب الحديثة، وحجم المعاناة الإنسانية التي تخلفها، خاصةً عندما تُستهدف مناطق مأهولة بالمدنيين، إذ مثّل إسقاط القنبلة النوويه على هيروشيما، ثم على ناجازاكي، لحظة فارقة في التاريخ العسكري والسياسي والإنساني شهد فيها العالم نمطًا جديدًا من أدوات الفتك الجماعي، أدى إلى سقوط أعداد هائلة من القتلى في لحظات، وتحولت مدن وأحياء بأكملها إلى أطلال.

ومع مرور ما يقارب ثمانية عقود على هذا الحدث، تتكرر مشاهد الدمار بأشكال مختلفة في مناطق أخرى من العالم، لا سيما في قطاع غزة، حيث ألحق الجيش الإسرائيلي خلال العشرين شهرًا الأخيرة الماضية دمارًا هائلًا، أثار مقارنات بين حجم الخسائر في كلا الحالتين، رغم الفارق الكبير في طبيعة السلاح وسياق الصراع ، اذ تشير المعطيات إلى أن القنبلة النوويه التي أُلقيت على هيروشيما أدت إلى مقتل ما يُقدَّر بأكثر من 140 ألف شخص، إما بشكل مباشر نتيجة الانفجار أو بسبب آثار الإشعاع لاحقًا، كما سُوِّيت مساحات واسعة من المدينة بالأرض، ودُمِّرت بنيتها التحتية بالكامل ،وعلى الرغم من أن إسرائيل لم تستخدم الأسلحة النووية في غزة، فإن نتائج القصف الإسرائيلي الإجرامي أفضت إلى دمار مشابه من حيث الأثر الإنساني والمادي

ففي غزة، استهدف الجيش الإسرائيلي أحياءً سكنية بأكملها، ودُمّرت آلاف الوحدات السكنية والمدارس والجامعات والمستشفيات، وهو دمار لم تسلم منه المساجد وحتي الكنائس، وتحولت مناطق كانت مأهولة بالسكان إلى أماكن مدمَّرة بالكامل وأصبحت غير صالحة للحياة، بعد استهداف شبكات المياه والكهرباء والصرف الصحي، في ظل حصار اسرائيلي محكم يُغلق المعابر ويمنع تدفق المساعدات الإنسانية بهدف استخدام سلاح التجويع ضد الفلسطينيين ، وقد أدت هذه الظروف إلى خلق أزمة إنسانية ومجاعة هائله، وسقوط أعداد هائلة من القتلي غالبيتهم من النساء والأطفال، في كارثة لم يشهد العالم مثيلًا لها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

ورغم أن الخسائر البشرية في غزة لم تبلغ الأرقام الكارثية التي خلّفها قصف هيروشيما، فإنها تقترب من عدد الضحايا الذين سقطوا نتيجة قصف ناجازاكي، والذي أسفر عن مقتل نحو 74 ألف شخص. إذ تشير التقديرات إلى أن العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة أودت بحياة أكثر من 70 ألف إنسان، غالبيتهم من الأطفال والنساء، إضافة إلى عشرات الآلاف من الجرحى والمصابين.

ولا يُعد استدعاء ذكرى هيروشيما في سياق ما يحدث في غزة محاولة لإجراء مقارنة تاريخية متكافئة، بل هو استحضار لمعاناة إنسانية تتكرر، وإن اختلفت الأسباب والسياقات. فقنبلة هيروشيما، رغم فظاعتها، جاءت في سياق معلن يتمثل في إنهاء الحرب العالمية الثانية، وروّج لها حينها كخطوة حاسمة لوقف نزيف الحرب ، أما في حالة غزة، فإن ما يُمارَس من قصف ودمار ممنهج لا يجري في إطار صراع عسكري تقليدي، بل يظهر في كثير من ملامحه كجزء من سياسة إسرائيلية تهدف إلى الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، وتصفيه القضية الفلسطينية ضمن مخطط واضح لإنهاء وجود الشعب الفلسطيني في وطنه وتهجيره قسرًا إلى خارج أراضيه المحتله.

وفي مقابل التصعيد الإسرائيلي الخطير ، يشهد الرأي العام العالمي تحوّلًا ملحوظًا في مواقفه تجاه السياسات الإسرائيلية، خاصة مع تكرار مشاهد القتل والدمار في غزة، وتفاقم المجاعة، والانتهاكات المتواصلة في الضفة الغربية والقدس الشرقية، اذ بدأت قطاعات عرضه من المجتمع الدولي، من منظمات حقوقية ومؤسسات إعلامية وأكاديمية، وحتى أصوات مؤثرة في برلمانات الدول الغربية، في رفع وتيرة الرفض والمساءلة إزاء تلك الممارسات. ويعود هذا التحوّل إلى التوثيق المتزايد للانتهاكات الاسرائيلية المرتكبة بحق المدنيين الفلسطينيين ، والتي بات من الصعب تبريرها أو التغاضي عنها.

ولا يُعد هذا الرفض الدولي المتصاعد مجرد حالة تعاطف عابرة، بل يعكس يقظة ضمير عالمية في مواجهة مآسٍ تتكرر، ورفضًا للوقوف دون حراك أمام كوارث تُعيد إلى الأذهان مشاهد مأساوية من تاريخ البشرية، كهيروشيما وأوشفيتز، فالعالم الذي تعهّد بألّا يسمح بتكرار تلك الفظائع، يرى في ما يجري في فلسطين اليوم جرحًا مفتوحًا يستدعي تحركًا حقيقيًا لوقف الحرب والقتل والمجاعه، بما يكفل للشعب الفلسطيني حقه المشروع في الحرية وفي تقرير المصير.

 

السفير عمرو حلمي

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق