نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
حضارة إبادة البشر وتهجير الحمير - كورة نيوز, اليوم السبت 26 يوليو 2025 10:10 مساءً
الحمير أصبحت الآن وسيلة النقل الوحيدة المتاحة أمام أهل غزة.. والمحتل لا يريد توفير أي شيء يبقي أهل القطاع على قيد الحياة
تبدو رواية "الجلد" للكاتب الإيطالي، كورزيو مالا بارته، كأنها اللعنة التي تطاردني أحداثها مرة كل شهر على أقل تقدير!
كان كورزيو مالا بارته، يعمل في أثناء الحرب العالمية الثانية مراسلًا لإحدى الصحف على الجبهة الروسية، وعندما هزمت بلاده عاد إليها وعمل ضابط اتصال بين حكومة وطنه وقوات الحلفاء المنتصرة التي دخلت إيطاليا تحت قيادة الجنرال الأمريكي كلارك بزعم تحريرها من الفاشية.
في الرواية التي ترجمها إلى العربية شاعرنا الكبير صلاح عبد الصبور يقول مالابارته: «كنت أجوب نابولي مع صديقي الكولونيل الأمريكي جاك هاملتون، وكان منظرنا بملابسنا النظيفة ووجوهنا التي يبدو عليها الشبع يبدو غريبًا بين الأنقاض والجوع، كان النساء يقلن في صوت هامس لجنود الحلفاء: الولد بدولارين والبنت بثلاثة، ووجدت نفسي أسأل صديقي الأمريكي: هل تريد بنتًا صغيرة بثلاثة دولارات؟".
وذات مساء اصطحبني صديقي الأمريكي لكي أرى عن قرب عذراء إيطالية!
كان على باب غرفة العذراء حفنة من الجنود بعضهم أمريكي وبعضهم إنجليزي أو بولندي، دفعنا لامرأة كهلة دولارين، ودخلنا حجرة العذراء، كانت تجلس على السرير وقدماها قد تدليتا على الأرض، وكانت تدخن في سكون، كانت تبدو صغيرة جدا وإن بدت عيناها كعيون العجائز، جاء صوت المرأة: "كفى اشتغلى".. سحقت الفتاة سيجارتها على الأرض، ومدت يديها إلى ثوبها، ثم بعد لحظة كانت تستلقى على السرير عارية تمامًا، وكان وجهها نصف مفتوح في ضيق، وصاح صوت من ورائنا: "إنها عذراء ويمكنكم أن تلمسوها ولا تخافوا، إنها لا تعض، إنها لا تؤذى أحدًا".
مد زنجي يده ولم تتحرك الفتاة، ظلت تنظر بعينين مليئتين بالخوف واللعنة، ثم انتهى العرض ولبست ثوبها وانتزعت من بين شفتي بحار إنجليزي سيجارة، ثم خرجنا وكانت خطانا تتناثر على أرض الحارة مليئة بالخزي والمذلة، قلت للأمريكي: "لا بد وأنكم مزهوون، لأنكم قهرتم أمة إلى هذا الحد، فبدون تلك المناظر كيف كنتم ستحسون أنكم منتصرون".
ثم بضربة مشرط يذهب مالابارته إلى رأس الدمل الأمريكي فيقول: "كان الجنرال كلارك قد أقام مأدبة عشاء تحية لمسز فلات وهي أمريكية تعمل في الصليب الأحمر تشرف على الكثير من أعمال الخير، طبخ لنا طباخ الجنرال سمكة عروس البحر، كانت عينا السمكة مفتوحتين وشفتاها نصف مغلقتين، وكانت بشرتها تلمع كما يلمع ثوب المسز فلات الغامق، ندت صرخة فزع من شفتي المسز فلات وتراجع الجنرال في مقعده، صاحت المسز فلات: "أبعدوا هذا الشيء الفظيع عنى لم آت إلى أوروبا لآكل لحم الفتيات الصغيرات".
رد الجنرال: "لكنها سمكة".
فجأة صاح الكولونيل براون وهو من كبار الوعاظ في الجيش الأمريكي: "ينبغي أن ندفنها".
وجدت الفرصة سانحة للتدخل فقلت: "ولكن ليس هناك مدافن للسمك في نابولي يا صاحب القداسة، أهل نابولي يأكلون الأسماك ويدفنون الناس، ولكنهم لا يأكلون الناس ويدفنون الأسماك"
قال الواعظ كأنه لم يسمع كلامي: "نستطيع أن ندفنها في الحديقة"
أحنى الجنرال رأسه موافقًا وأطرقت المسز فلات ثم انحدرت الدموع من عينيها وصاحت: "شكرًا لله".
غادرت الرواية دهاليز أرشيفي لتؤكد لي مجددًا أن الاحتلال كالكفر ملة واحدة، فما فعله الاحتلال الأمريكي مع أسماك نابولي الإيطالية يفعله الاحتلال الإسرائيلي مع حمير غزة الفلسطينية!
كشف إعلام الاحتلال عن قيام كيانهم بجمع حمير غزة وتسليمها إلى جمعية "لنبدأ من جديد"، ثم ستقوم الجمعية التي تزعم رعاية الحمير بنقل الحمير إلى فرنسا وبلجيكا لكي توفر لتلك الكائنات المسكينة العلف والماء والراحة!
وقالت المسؤولة عن الجمعية: الوضع النفسي والجسدي للحمير التي جرى إخراجها من غزة كان صعبا، لأنها كانت تعيش حياة عبودية، ومن حقها الآن أن تحصل على الراحة!
الهراء الإسرائيلي الذي ورث الهراء الأمريكي القديم لم يقنع أحدًا، فالكيان الذي يشن حرب إبادة على بني البشر لا يمكن أبدًا أن يرحم بني الحيوان.
بالبحث عن السبب الحقيقي لتهجير الحمير من غزة انهارت دفاعات مسئولة الجمعية فقالت: "لن نسمح بعودة الحمير مجددًا إلى قطاع غزة، وسنعمل على إخراج ما تبقى منها لكيلا تُستغل في عمليات إعادة إعمار القطاع".
هذا هو مربط الفرس، المحتل يحسب حساب كل شيء، فالحمير أصبحت الآن هي وسيلة النقل الوحيدة المتاحة أمام أهل غزة، والمحتل لا يريد توفير أي شيء يبقي أهل غزة على قيد الحياة، إنه بعمل ليل نهار على أن تصبح حياتهم جحيمًا لا يطاق ولا يستطيع أحد الصبر عليه، فلا يعود أمامهم سوى طلب المغادرة الأبدية، ليتم التخلص الأخير من القضية برمتها.
0 تعليق