نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
زهايمر يخصّنا في غزة - كورة نيوز, اليوم الاثنين 21 يوليو 2025 11:17 مساءً

زهايمر يخصّنا في غزة
أخاف غداً -وقل في 2040- حينما أمشي في شوارع مخيم جباليا في غزة مع ابني، وأقول له انظر إليها يا بني، أليست حياةً تستحق العيش؟
أخاف أن يسخر مني، أخاف ألا يرى جباليا في ذاكرتي.
فأهزّه بيداي، وأصرخ فيه: كيف لا ترى؟ كيف لا تبصر في مخيم جباليا غير الخراب؟
كيف لا ترى حياة والدك هنا؟ كيف لا تبصر (المليحات العجائز) في الدهاليز بين بيوت المعسكر؟ كيف لا تعرف محطة (تمراز)؟ ولا تشمّ (توابل العالول)؟ كيف لا تعرف أن (الترنس) مقرّ الثورات المقتولة؟
يا ابني! هذه (صالة بغداد) أقامت أعراساً وأفراحاً كأنها العراق القديمة!
كيف لا تبصر يا ابني (بلوك2) هنا كانت تصطف العربات القديمة محشوَّةً بالخضار من بيت لاهيا، والجنوب؟
ألا تعرف (أبو زتون) كنّا نشرب منه البراد بنصف شيكل! لا يفرّق بين الناس، فيجلس على كراسيّه أفراد بنظارات سوداء وآخرون برقع الملابس.
وهذه ملحمة (أبو القرايا) كان يبيع فيها الكباب كالفلافل!
ألا ترى (الأرصفة)؟ كانت مقاهينا، كانت لبّ فكرنا، وصالونات مجالسنا، كانت تسعنا دائماً، وتعرف كيف تصير باردةً علينا في تمّوز، وكيف تصير دافئةً في الأربعينيّة.
هنا كانت (عيادة الوكالة) التابعة للانروا، تعالج كل أمراضنا بـ'الأكامول'، فكنا لا نشكو غير سعال مستمر، وشخير في الصدر نحسبه صوت أحلامنا الداخلي.
وهذا (المؤون) الأزرق ألا تراه؟
وعلى هذا (المفترق) صلبت الشمس بائعي العنبر. وهنا كان يقف (أبو قاعود) بحلبه وعوّامته!
وهذه (الفوقا) كانت تزخّ بالطالبات المهندمات، وهذه (مكتبة اقرأ) تجمع الطلبة إليها بالأوراق والصفحات.
ألا ترى (عربات الطحل والفشة) كانت تشبع الجوعى، وكانت خير هدية بسيطة تأخذها لمن تحب؟
يا ابني هذا مخيم جباليا! ألا تراه؟ هنا كانت حياة أبيك! يا ولدي لا تغرنّك القبور في كل مكان، لم يكن في جباليا غير (مقبرة الفالوجا)، ولم يكن في جباليا حدائق، لكنّها كانت نضراء يانعةً بما يكفي، أفلا تشمّ رائحة أناسها الراحلين؟
لماذا لا تتحرك عيناك يا ولدي!
فهل حقاً سينظر ابني غدا في عيناي المحروقتين، ويقول لي: كفاك سخفاً، وهذراً.. هذه الرمال ليست غير صحراء! عد إلى البيت يا أبي، أراك تعبت.
فأقول له: لم أتعب يا ابني، كل ما في الأمر أنّي فقدتُ ما أعرفه فأُنكرت.
وحده من عاش حياتنا، يعرف يا ابني بأن (الزهايمر) ليس فقداناً يصيب الذاكرة، وإنما ذاكرة تعيش على معالم اختفت.
زهايمر يخصّنا في غزة
اقرأ ايضا
0 تعليق