نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
هل تنجح أوروبا في كسر قبضة وادي السيليكون؟ - كورة نيوز, اليوم الأربعاء 23 يوليو 2025 01:34 مساءً
وبينما فقدت القارة العجوز زمام المبادرة في سباق الذكاء الاصطناعي والرقمنة، تبرز اليوم فرصة جديدة في مجال الحوسبة الكمومية لتعيد تعريف موقعها في الخريطة التكنولوجية العالمية.
لكن الطريق نحو السيادة الرقمية لا يخلو من عقبات جسيمة، فالتحديات التي تواجهها أوروبا ترتبط بمزيج من نقص الاستثمارات، وتشتت الأسواق، وغياب الرؤية الموحدة. وبينما تضخ الولايات المتحدة والصين مليارات الدولارات في البحث والتطوير، تظل أوروبا عالقة بين ريادة البحث الأكاديمي وتخلف التطبيق التجاري.
سباق قوي
تحت عنوان "هل تتمكن أوروبا من التحرر من الهيمنة التكنولوجية الأميركية؟"، يشير تقرير لصحيفة فايننشال تايمز البريطانية إلى أن اعتماد القارة على المجموعات الأميركية في البنية التحتية الرقمية يسبب قلقًا متزايدًا بين المديرين التنفيذيين وصناع السياسات.
وينقل التقرير عن مدير شؤون أوروبا والشراكات عبر الأطلسي في "معهد الأسواق المفتوحة"، ماكس فون تون، قوله إن "تسليح التبعيات التكنولوجية" من قبل الحكومات، وهيمنة شركات التكنولوجيا الأميركية على السوق، "أظهرا كما لم يحدث من قبل حاجة أوروبا إلى تعزيز قطاع تكنولوجي محلي مستقل ومنفتح وقادر على الصمود".
لكن بينما تنتقل أوروبا من تحليل المشكلة إلى اقتراح حلول محتملة – مثل تفضيل الشركات التكنولوجية الأوروبية على نظيراتها الأميركية – لا بد لها أيضًا من مواجهة حقيقة افتقارها لبدائل حقيقية؛ فعدد الشركات الأوروبية بين أكبر 50 شركة تكنولوجيا في العالم لا يتجاوز أصابع اليد. كما تواجه الشركات الناشئة في هذا القطاع داخل القارة عقبات تتمثل في عدم اليقين التنظيمي، وتشرذم السوق، وندرة خيارات التمويل، لا سيما في مجال رأس المال المخاطر.
وفي تقرير وصفته الصحيفة بـ "التاريخي" حول القدرة التنافسية للاتحاد الأوروبي العام الماضي، أظهر رئيس الوزراء الإيطالي السابق ماريو دراجي بوضوح أن أوروبا شهدت اتساع فجوة الإنتاجية مع الولايات المتحدة، في الغالب بسبب ضعف الاتحاد الأوروبي في التكنولوجيات الناشئة.
هيمنة أميركية
الخبير التكنولوجي من الولايات المتحدة، الدكتور أحمد بانافع، يقول لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن أوروبا تسعى جاهدة لتقليل اعتمادها على الهيمنة التكنولوجية الأميركية، وتواجه في سبيل ذلك تحديات كبيرة؛ فالعمود الفقري الرقمي لأوروبا، بما في ذلك الحوسبة السحابية، والذكاء الاصطناعي، ومعالجة البيانات، يُدار إلى حد كبير من قبل شركات التكنولوجيا الأميركية. وهذا الاعتماد يثير قلقًا متزايدًا حول السيادة الرقمية والقدرة على اتخاذ قرارات مستقلة.
وتبرز مجموعة من التحديات الرئيسية، على النحو التالي:
- شركات التكنولوجيا الأميركية لديها تفوق كبير في الابتكار والأسواق، مما يجعل من الصعب على الشركات الأوروبية المنافسة.
- على الرغم من الجهود المبذولة، لا تزال أوروبا بحاجة إلى استثمارات ضخمة في البنية التحتية الرقمية والبحث والتطوير لتعزيز الابتكار المحلي.
- هناك تحديات في جذب واستقطاب المواهب التقنية ورؤوس الأموال العالمية داخل الاتحاد الأوروبي.
- البورصات الأوروبية متفرقة، ولا توجد سياسة مالية موحدة قوية بما يكفي لمواجهة السياسة المالية الأميركية.
- حتى مع وجود حلول أوروبية بديلة، قد يواجه المستخدمون والشركات مقاومة لتغيير الأدوات والأنظمة التي اعتادوا عليها.
- مع تصاعد النفوذ الذي تمارسه شركات التكنولوجيا الأميركية، يزداد القلق من إمكانية توظيف هذا النفوذ كورقة جيوسياسية.
ويستعرض بانافع في الوقت نفسه مجموعة من الجهود الأوروبية الهادفة للتحرر من الهيمنة الأميركية، وفي مقدمتها تبني الاتحاد الأوروبي تشريعات رقمية قوية مثل قانون الأسواق الرقمية (DMA) وقانون الخدمات الرقمية (DSA)، بهدف كبح هيمنة عمالقة التكنولوجيا، وضمان المنافسة العادلة، وحماية البيانات.
علاوة على مبادرات السيادة الرقمية، مثل GAIA-X لإنشاء بنية تحتية سحابية آمنة وقابلة للتشغيل البيني بناءً على القيم الأوروبية، وتهدف إلى تقليل الاعتماد على مزودي الخدمات من خارج أوروبا. ويضاف إلى ذلك سعي أوروبا إلى الاستثمار في الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات، وتخصيص مليارات اليوروهات لدعم هذه المجالات.
ويشير الخبير التكنولوجي في الوقت نفسه إلى الجهود المبذولة لتعزيز التعاون بين الدول الأعضاء في مجال التكنولوجيا لإنشاء منظومة تقنية أوروبية موحدة.. كما تعمل أوروبا على ضمان سيادتها على البيانات، بما في ذلك التحكم في كيفية معالجة البيانات الشخصية وغير الشخصية.
وتدرك أوروبا تمامًا أهمية السيادة التكنولوجية وتسعى بجد لتحقيقها. ومع ذلك، فإن التحرر الكامل من الهيمنة التكنولوجية الأميركية يمثل تحديًا استراتيجيًا كبيرًا يتطلب استثمارات ضخمة، وتعزيز الابتكار، وجذب المواهب، وتوحيد الجهود عبر الدول الأعضاء. على الرغم من أن الطريق طويل ومليء بالعقبات، إلا أن التزام أوروبا بالسيادة الرقمية عبر التشريعات والمبادرات يظهر رغبة قوية في تشكيل مستقبل تكنولوجي أكثر استقلالية.
فرصة جديدة!
وفي سياق متصل، يشير تقرير لمجلة بوليتكو إلى أن أوروبا تُقبل على سباق تكنولوجي جديد في مجال الحوسبة الكمومية، لكنها تواجه تحديات مألوفة تُهدد تفوقها أمام الولايات المتحدة والصين. فبعد تأخرها الملحوظ في مجال الذكاء الاصطناعي، تمثل التكنولوجيا الكمومية فرصة جديدة لتحقيق قصة نجاح اقتصادي.
وفقًا لمسودة استراتيجية الاتحاد الأوروبي التي اطّلعت عليها "بوليتيكو"، يحذر التقرير من أن الابتكارات الأوروبية الواعدة في هذا المجال قد تُستغل لتحقيق أرباح خارج القارة، بينما يتخلف الاتحاد عن تحويل الأبحاث إلى "فرص سوقية حقيقية". إذ تجتذب أوروبا فقط 5 بالمئة من الاستثمارات الخاصة العالمية في هذا القطاع، مقارنة بأكثر من 50 بالمئة للولايات المتحدة، و40 بالمئة للصين.
- رغم أن أوروبا تتصدر العالم في عدد الأبحاث العلمية المنشورة حول التكنولوجيا الكمومية، إلا أنها تحتل المرتبة الثالثة في عدد براءات الاختراع المسجلة.
- يُعتبر هذا السيناريو تكرارًا لتجربة الذكاء الاصطناعي، حيث تميزت أوروبا بالأبحاث الرائدة، لكنها فشلت في تحويلها إلى تطبيقات تجارية واسعة النطاق.
أعلنت شركة "آي بي إم" الأميركية أنها تتوقع إنتاج أول حاسوب كمومي عملي بحلول 2029، مما يزيد الضغط على أوروبا لتنظيم أوضاعها. لكن التحدي الأكبر يتمثل في نقص التمويل، حيث تعاني القارة من تشتت الأسواق المالية، وعدم توفر رؤوس أموال كبيرة كتلك المتاحة في الولايات المتحدة والصين.
تدعو الشركات الأوروبية، مثل "IQM" الفنلندية و"Multiverse Computing" الإسبانية، إلى ضخ استثمارات أكبر وأكثر تركيزًا، على غرار النموذج الأميركي الذي يخصص مئات الملايين لمشاريع محددة. كما تحذر الصناعة من فرض قيود تنظيمية أو تصديرية قد تعيق التقدم، مستشهدة بالدروس المستفادة من تجربة تنظيم الذكاء الاصطناعي.
اختبار حقيقي
وإلى ذلك، يقول استشاري العلوم الإدارية وتكنولوجيا المعلومات في G&K، عاصم جلال، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن أوروبا تواجه اليوم اختبارًا حقيقيًا في سعيها للتحرر من الهيمنة التكنولوجية الأميركية، مشيرًا إلى أن الشركات الأميركية الكبرى مثل مايكروسوفت، وغوغل، وأمازون، لا تزال تسيطر على النسبة الأكبر من سوق الحوسبة السحابية في القارة، في حين تستورد أوروبا أكثر من 80 بالمئة من احتياجاتها الرقمية.
ويضيف: "هذه الهيمنة ليست اقتصادية فقط، بل أصبحت أداة جيوسياسية، كما برز في حادثة المحكمة الجنائية الدولية حين اضطرت مايكروسوفت إلى تعليق خدماتها للمدعي العام بسبب عقوبات أميركية".
ويشير جلال إلى أن هذا الحدث كان بمثابة جرس إنذار للقادة الأوروبيين، ما دفعهم إلى إطلاق مبادرات كبرى مثل EuroStack، التي تهدف إلى تأسيس نظام رقمي متكامل مستقل عن أميركا، ومبادرة InvestAI بقيمة 200 مليار يورو لتعزيز قدرات أوروبا في الذكاء الاصطناعي.
ويؤكد أن الاتحاد الأوروبي يسعى أيضًا إلى تقويض الهيمنة الرقمية الأميركية عبر تشريعات مثل قانوني الأسواق والخدمات الرقمية، إلى جانب تخصيص صناديق سيادية واستثمارات عامة وخاصة ضخمة. لكنه يلفت في المقابل إلى أن أوروبا لا تزال تعاني من فجوة تمويلية حادة، حيث بلغ إجمالي استثماراتها في التكنولوجيا عام 2023 نحو 7.3 مليار يورو، مقابل أكثر من 67 مليار دولار في الولايات المتحدة.
ويتابع قائلًا: "رغم المبادرات الطموحة، تظل أوروبا متأخرة في مشهد الشركات العملاقة، إذ لا تضم سوى 4 شركات من أصل أكبر 50 شركة تكنولوجيا عالمية. والمشكلة تتفاقم بفعل التجزئة القانونية بين دول الاتحاد، وضعف القطاع الخاص، وهجرة الكفاءات إلى وادي السيليكون".
ويضيف: "هناك بعض النماذج الناشئة التي تمنح أملًا في الاستقلال الرقمي، مثل شركات الذكاء الاصطناعي Mistral AI وAleph Alpha، ومزودي الخدمات السحابية الأوروبيين مثل OVHcloud وExoscale، فضلًا عن خدمات رقمية بديلة مثل ProtonMail وDeepL.
ويختتم قائلًا: "أوروبا تملك المقومات، لكن نجاحها مرهون بالسرعة، والتنسيق، والإرادة السياسية. فالمعركة ليست فقط على الأسواق، بل على السيادة".
0 تعليق