أبو عركي البخيت.. قصة فنان سوداني يرفض مغادرة وطنه في زمن الحرب - كورة نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
أبو عركي البخيت.. قصة فنان سوداني يرفض مغادرة وطنه في زمن الحرب - كورة نيوز, اليوم الاثنين 4 أغسطس 2025 02:53 مساءً

في حي العرضة بأم درمان، وعلى الرغم من القذائف التي كانت تتساقط من كل جانب، اختار الفنان السوداني الكبير أبو عركي البخيت أن يبقى في منزله، وسط هذا الدمار الذي حول العاصمة الخرطوم إلى ساحة حرب، رفض مغادرة مكانه، وقرر أن يبقى مع ابنه، فارس، رغم الخطر الداهم، تمسكا بمبدأ الولاء للوطن في أقسى لحظاته.

صمود في وجه العاصفة

منذ بداية الحرب في السودان في أبريل 2023، أصبحت الخرطوم ومناطق أخرى ساحة معارك دموية بين الجيش السوداني و"قوات الدعم السريع"، تلك المليشيات المسلحة التي خاضت معارك ضارية للسيطرة على العاصمة، فيما كانت المنطقة التي يقطن فيها أبو عركي واحدة من أكثر الأماكن تأثراً بالعنف؛ حيث تساقطت القذائف والمدافع بشكل شبه يومي، وظل أبو عركي صامدًا في منزله.

ويحكي أبو عركي في تصريحات لـ"الشرق الأوسط"  أنه قرر هو وابنه أن ينام كل منهما في غرفة منفصلة لتقليل خطر الإصابات في حال حدوث أي طارئ. قال: "إذا أصيب أحدنا، يستطيع الآخر أن يساعده." 

وفي هذه اللحظات التي كان فيها الرصاص يمر فوق رؤوسهم، قام أبو عركي بتوثيق معاناته عبر كلمات شعرية، مشيدًا بما كان يحدث من مآسي. في إحدى قصائده قال: "من وين بتجينا الدانات اللي خلت الناس كلها تتحزم للموت؟!" ليكون بذلك صوتًا معبرًا عن الواقع المؤلم للشعب السوداني.

رفض مغادرة الوطن

ظل أبو عركي ثابتًا في موقفه رغم الضغوط المتزايدة من أصدقائه وعائلته للرحيل إلى مناطق أكثر أمانًا، حيث يعتقد  أن مغادرة الوطن في وقت ضعفه "خيانة للمبدأ"، مشيرًا إلى أن المغادرة في مثل هذه الظروف ليست خيارًا.

يرفض أبو عركي توريط الشعب السوداني في صراعات طائفية أو سياسية، فطوال مسيرته الفنية، كان أبو عركي دائمًا صوتًا للسلام والحرية، ويسرد في أغانيه آلام الناس وأحلامهم، ما جعل صوته  يجسد أحلام الملايين من السودانيين.

مواقف أبو عركي مع الحرب

الحرب لم تكن مجرد تجربة شخصية بالنسبة لأبو عركي، بل لحظة مؤلمة له كمواطن سوداني، وعبرت في وقتها عن أفكار ومواقف متسائلة حيال ما آلت إليه الأمور في البلاد. في إحدى قصائده التي كتبها في ظل الحرب، قال: "منو الدخّلنا الوكر الظلام... وكتبوا لينا سواد مستفحل؟!"، معتبرًا أن تلك المعركة لم تكن سوى نتيجة لمخططات الساسة الذين أضاعوا المستقبل.

في حديثه لـ "الشرق الأوسط"، أكد أبو عركي أنه رغم تدهور الوضع العسكري في الخرطوم، كان يستقبل شخصيات من مختلف الأطراف السياسية والعسكرية بمنزله، وكانت زيارة عناصر "الدعم السريع" له لا تختلف عن زيارة عناصر الجيش السوداني بعد عودته إلى الخرطوم، ما جعل أبو عركي نقطة التقاء بين الجميع، ما يعكس مكانته كرمز ثقافي وفني يحظى بالاحترام حتى من المتحاربين.

فنان الشعب

ولد أبو عركي البخيت في مدينة ود مدني في عام 1947، وانتقل إلى الخرطوم حيث بدأ مسيرته الفنية. ومنذ بداية مشواره، قدم عشرات الأغنيات التي تمسّ قلب الشعب السوداني، مثل "بخاف"، "واحشني"، و"عن حبيبتي بقول لكم"، وغيرها من الأعمال التي حققت نجاحًا كبيرًا في كافة أنحاء السودان، وكانت أغنياته تمتاز بمزج قوي بين العاطفة والموقف الوطني، حيث كان دائمًا ما يعبّر عن قضايا الشعب السوداني وآماله في الحرية والعدالة.

في عام 2023، وفي ظل الحرب الدائرة في البلاد، قدم أبو عركي قصيدته "نفسنا طويل وما بنتعب"، التي وثّقت مرحلة ما بعد الحرب وتناقضات السياسة السودانية، ووجه نقدًا حادًا للنخب السياسية التي لم تتحمل مسؤولية الأوضاع التي آلت إليها البلاد، مشيرًا إلى أن هذه النخب قد شوهت رمز الاستقلال الذي تحقق في 1956.

دارفور في قلبه

لم يغفل أبو عركي البخيت عن مأساة دارفور، التي شكلت أحد محاور حياته الفنية، وصف ما جرى في الإقليم بـ "كارثة من ناس مشبعين بالشر، قلوبهم قاسية ما بترحم"، لافتًا إلى معاناة أهل دارفور الذين يتعرضون لجروح نفسية عميقة بسبب الحرب المستمرة، وفي قصيدته الشهيرة التي كتبها لامرأة دارفورية، قال: "دمعة أسى نابعة من أغوار مآسيها، نحتت على خدها، وسطّرت في صفحة الزمن اللئيم معاناتها".

"عزة في هواك" 

ومن الرموز الثقافية التي ارتبطت باسم أبو عركي هي نحت النوتة الموسيقية لأغنية "عزة في هواك" على بوابة منزله، وهي الأغنية التي كتبها الشاعر الراحل خليل فرح في ثلاثينيات القرن الماضي تعتبر واحدة من أروع الأناشيد الوطنية السودانية، وتُعد رمزًا للحب والوطن، وصمد أبو عركي مع العمال والحدادين لعدة أيام حتى نُحتت النوتة على بوابة منزله، لتكون بمثابة تمثال حي من الفن السوداني.

مكانته في قلوب السودانيين

أبو عركي البخيت هو واحد من أعظم الرموز الفنية التي عرفتها السودان، حظي باحترام وتقدير جميع الأطراف السياسية والعسكرية في البلاد، حيث يقول زميله المطرب عبد القادر سالم، رئيس اتحاد المهن الموسيقية، عن أبو عركي: "إنه فنان عظيم يقف إلى جانب المرضى والضعفاء، وهو دائم التدقيق في نصوصه وموسيقاه." ما جعله يحظى باحترام الجميع، من الشعب السوداني إلى القوات العسكرية.

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق