نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
قوة مصر الصامتة ونهضتها القادمة - كورة نيوز, اليوم السبت 2 أغسطس 2025 04:46 مساءً
في خضم عالم يضج بالصراعات الجيوسياسية وتقلبات سلاسل الإمداد العالمية، تتجه أنظار الدول إلى ما هو أبعد من حدودها البرية، إلى البحار والمضائق والممرات المائية، حيث تكمن القوة الصامتة الحقيقية. قوة لا يُسلَّط عليها الضوء كثيرًا، لكنها تصنع الفارق في لحظات الحسم.. إنها قوة الأسطول البحري التجاري الوطني، التي أدركت القيادة السياسية في مصر أهميتها جيدًا، وجعلت منها ملفًا استراتيجيًا من الدرجة الأولى.
الدكتور أيمن النحراوي، أستاذ ومستشار الاقتصاد الدولي واللوجيستيات، تناول هذا الملف بعمق في تصريحاته الخاصة لنا، مشددًا على أن مصر لا يمكن أن تحقق نهضتها الاقتصادية أو تفرض سيادتها السياسية دون امتلاك ذراع بحري قوي، يضمن استقلال القرار الاقتصادي، ويؤمّن حركة التجارة الخارجية للدولة في مختلف الظروف.
إن النقل البحري اليوم لم يعد مجرد قطاع خَدَميّ، بل تحوّل إلى أداة سيادة وطنية وركيزة أمن قومي. وفي عالم لا يعترف إلا بالأقوياء، تبرز أهمية أن تمتلك الدول أساطيلها، لا أن تعتمد على أساطيل الآخرين لنقل احتياجاتها أو لتصدير إنتاجها.
من هنا، يؤكد الدكتور النحراوي أن مصر دولة بحرية أصيلة، تمتلك أكثر من 2500 كيلومتر من السواحل على البحرين الأحمر والمتوسط، وتملك في قلبها قناة السويس، أحد أهم وأخطر الممرات الملاحية على مستوى العالم. لكن هذا الامتياز الطبيعي، كما يوضح النحراوي، لا يساوي شيئًا إذا لم يدعمه أسطول وطني تجاري حديث قادر على المنافسة، يحمل علم الدولة، وينقل بضائعها، ويدعم صناعتها، ويُعبّر عن سيادتها في المحيطات المفتوحة.
الأسطول التجاري، كما يراه النحراوي، ليس مجرد مجموعة من السفن، بل سلاح اقتصادي صامت، يتقدم في الأوقات الصعبة حين تتراجع الخيارات الأخرى، فهو الذي يضمن استمرار تدفق السلع الاستراتيجية، وينقل المعدات والإمدادات العسكرية وقت الحروب، ويُساهم في تأمين الغذاء والدواء في أوقات الأزمات، ناهيك عن مساهمته الجوهرية في تخفيض فاتورة النقل، وتعزيز الميزان التجاري، وتوفير آلاف فرص العمل المباشرة في أنشطة الشحن والتفريغ والتخزين والتصنيع البحري.
ولم تقف الدولة المصرية مكتوفة الأيدي أمام هذا الملف، بل أطلقت مشروعًا وطنيًا طموحًا لإعادة بناء وتحديث الأسطول التجاري من الجذور. ويشير الدكتور النحراوي إلى أن الدولة تواجه تحديات حقيقية، تبدأ من تحديث البنية التحتية، وتمر بتمويل شراء السفن، ولا تنتهي عند مراجعة التشريعات القديمة وتكييفها مع واقع الصناعة البحرية الحديثة.
لكن الرؤية واضحة، والخطوات متسارعة، فقد بدأت الدولة المصرية بالفعل في تجديد الوحدات القائمة، وإدخال 36 سفينة جديدة إلى الخدمة بحلول عام 2030، إلى جانب منح تسهيلات ضريبية وقروض ميسّرة لشركات الملاحة الوطنية، وفتح الباب واسعًا أمام القطاع الخاص المصري للمشاركة في بناء صناعة نقل بحري وطنية قوية.
ويؤكد النحراوي أن هذا التوجه يُعبّر عن إرادة سياسية عميقة ورؤية اقتصادية بعيدة المدى، تسعى إلى تمكين مصر من استعادة دورها التاريخي كمركز لوجستي بحري محوري بين الشرق والغرب.
في هذا الزمن الذي تتغير فيه معادلات القوة، لم يعُد البحر مجرد امتداد أزرق على أطراف الخريطة، بل أصبح ساحة نفوذ ومصدر قرار، ومن يملك أسطوله، يملك مصيره.
من لا يملك أسطولًا بحريًا.. لا يملك قراره التجاري.. ولا يملك مفاتيح الاستقلال
أن قوة مصر الصامتة تكمن في بحرها، وفي سواعد أبنائها الذين يبنون السفن، لا يستوردونها، ويحملون علم الوطن في أعالي الأمواج لا في مؤخرات السفن الأجنبية.
وهكذا، تمضي مصر بخطى واثقة ثابته ذات عزيمة وإصرار، لا تُسابق الزمن فقط، بل تُعيد تعريفه، بسفن تحمل اسمها، وأهدافها، وأحلامها في مستقبل لا تصنعه الشعارات، بل تصوغه قرارات جريئة في ملفات تبدو صامتة، لكنها تحمل في طياتها صوت القوة، وصدى النهضة.
اقرأ أيضاًشبورة كثيفة واضطراب بالملاحة | الأرصاد تكشف حالة الطقس اليوم الخميس 31 يوليو 2025
قناة السويس: استدامة الملاحة وكفاءة الأطقم أبرز عوامل التفوق العالمي
وزير الطيران المدني يبحث مع سفير فرنسا سبل تعزيز التعاون بمجال الملاحة الجوية
0 تعليق