نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
من كفاح جيفارا إلى فتاوى البنادق.. حين سقط الحلم في فخ القبيلة.. ! - كورة نيوز, اليوم السبت 19 يوليو 2025 08:55 مساءً
محمد سعد عبد اللطيف - كاتب وباحث في الجيوسياسية والصراعات الدولية
في ستينات القرن الماضي، كان العالم يقف على مفترق طرق. شعوبٌ تنتفض، وأفكارٌ تولد تحت القصف والمنفى والسجون. كان تشي جيفارا يجوب جبال بوليفيا بأمل إشعال فتيل الثورة العالمية، فيما كان مارتن لوثر كينج يعتلي منابر الكنائس وشوارع الجنوب الأمريكي ليعلن حُلمه بالمساواة. في الشرق العربي، كانت البنادق موجهة ضد المستعمر، وكانت الأيديولوجيا مشروعًا لتحرير الإنسان وإعادة بناء الوطن.
لم يكن هناك انفصال بين النضال العربي ونبض الحركات التحررية في العالم. من الجزائر إلى فيتنام، ومن كوبا إلى فلسطين، توحدت الشعارات: ضد التبعية، ضد الاستغلال، ضد الظلم. وكان المثقف العربي جزءًا من هذا المسار الكوني، يحمل الكتاب والبندقية، ويؤمن أن التغيير لا يكون إلا جذريًا، لا ترقيعًا ولا تفاوضًا مع الطغيان.
لكن بعد عقود، وبسقوط المعسكر الاشتراكي وانهيار الاتحاد السوفيتي، اهتز اليسار العربي في العمق. خفتت الأصوات، وارتبك الخطاب، وتراجعت الشعارات الكبرى. انسحب بعض اليساريين إلى الهامش، وارتضى آخرون بالدخول في منظومات إعلامية تخدم ما كانوا يسمونه بالرجعية، بل وصل الأمر بالبعض إلى التماهي مع الاحتلال في العراق بذريعة الواقعية السياسية.
وبينما سقط المشروع الثوري، صعدت الرأسمالية المتوحشة، مزّقت المجتمعات، وأفرغت السياسة من معناها. ثم اندفعت موجات اليمين الديني والطائفي، لتحل مكان الفكر التحرري بمشاريع أصولية، تُعيدنا إلى عصر الغزوات لا عصر الدولة.

لم يعد هناك مجال للحديث عن كفاح مسلح تحرري. تحوّل المصطلح إلى تهمة جاهزة. اختلطت البنادق بين مقاومة مشروعة وتنظيمات متطرفة، بين النضال من أجل الأرض، والتكفير من أجل السماء. وشيئًا فشيئًا، صرنا نسمع عن تحريم شرب القهوة حتى "تعود محافظة إلى كنف الدولة"، وفتاوى عشائرية تعلن "النفير" لا ضد المحتل، بل ضد أبناء الوطن أنفسهم.
لقد تفكك الحلم، وضاعت البوصلة. من الكفاح المسلح كأداة للحرية، إلى البنادق الطائفية كأداة للخراب. من خطاب "الرفيق" و"المواطن"، إلى خطب "الشيخ" و"الزعيم العشائري". وبين هذا وذاك، انهارت الجسور التي تربط الوطن بالمعنى.
ما نعيشه اليوم ليس فقط تراجعًا في الأداء السياسي، بل انحدارًا في الوعي الجمعي. غابت الأسئلة الكبرى، وحلّ محلها السجال الغريزي. لم تعد القضية قضية تحرير، بل صراع على سلطة فارغة داخل وطن ممزق.
إن إعادة الاعتبار للكفاح، بمفهومه الإنساني، لا تأتي بإحياء الماضي، بل بإعادة صياغة الحاضر. من تجربة جيفارا الثورية، إلى حلم كينغ السلمي، ومن مآلات التحرر العربي، يمكن أن نعيد التفكير في معنى النضال: ليس ضد الآخر فقط، بل ضد الجهل، والطائفية، وفساد الذاكرة.
وحده النضال من أجل الإنسان، هو الذي يُبقي الحلم حيًّا.. .، !!
اقرأ أيضاً«تميمة جيفارا».. كتاب جديد لمحمد شمروح
0 تعليق