نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
حرب الإثني عشر يوما: عقلنة التصعيد العسكري وصناعة ديناميكيّة جديدة لشرق أوسط كبير: (الجزء الثالث) - كورة نيوز, اليوم الثلاثاء 15 يوليو 2025 01:52 صباحاً
نشر بوساطة الأمني القانون ومجال الدبلوماسية والعلاقات الدولية في الشروق يوم 14 - 07 - 2025
- عقلانية التصعيد العسكري الأمريكي وحصاد التبعات الإقليمية :
في ظلّ تداخل هواجس القيادة السياسية والعسكرية وتناقض أهدافهما فإنّ الحلّ الذي قد انتهت إليه واشنطن هو التوجّه نحو القيام بضربة عسكرية محدودة ومنسّقة بصورة مسبقة تخدم وعود القيادة السياسية وترامب لكن لا تسقط أولويات القيادة العسكرية الأمريكية، وقد تولّت واشنطن من أجل ذلك التنسيق وصياغة رسائل دولية تلتقط منها طهران أنّ أيّ عمل عسكري سيكون محدودا يسمح بالردّ عليه من طرف طهران بشكل محدود أيضا وبصورة لا تمسّ معها المصالح الأمريكية بشكل فادح لا يمكن لواشنطن أن تتجاهله.
ترتبط تعقيدات منطقة الشرق الأوسط بشكل كبير بشتّى الإشكاليات الجيوسياسية في العالم وخاصّة بتلك التي تدور في المحيط الأفريقي والأسيوي والأوروبي وقد تبيّن ذلك بصورة أكثر وضوحا مع المواقف الدولية التي صدرت عن كثير من القوى الدولية والإقليمية خلال هذه الحرب فقد بدت الأحداث والتفاعلات كسلسلة مترابطة الحلقات تجرّ كلّ حلقة الأخرى وكانت أولى حلقات هذه المواقف تعود إلى فترة سابقة لبداية الحرب في 13 جوان 2025، فقد كانت متعلّقة بأحداث الحرب الباكستانية الهندية التي تلقّت فيها الهند صفعة مدوّية حطّمت صورة تفوّقها العسكري أمام باكستان ما أسفر عن تشكّل مشهد جديد كانت تفاصيله تعلن عن تفوّق الصين على مستوى عتادها العسكريّ ونيّة بيكين دعم باكستان بهذا العتاد ضدّ الهند ما يعني أنّ الصين تعبّر بصورة صريحة لأوّل مرّة على خروجها عن التحفّظ المعتاد في تعاملها مع الصراعات المسلّحة لتتحوّل إلى توجّه يقوم على اتّخاذ مواقف داعمة لأحد أطراف الصراع العسكري بشكل يتناسب مع حجم الصين فعليا.
ويذكر أنّه خلال الحرب الهندية الباكستانية وبعد تلقّي سلاح الطيران الهندي ضربة كشفت ضعفه حذّرت واشنطن الهند من الإصرار على مواصلة الأعمال العسكرية التي قد تؤدّي إلى هزيمتها ما أجبر نيودلهي على اللّجوء إلى الدبلوماسية ووقف الأعمال العسكرية، وحيث أنّ باكستان التي خرجت بانتصار واضح على الهند لم تتأخّر في ترجمته إلى قيمة سياسية في المنطقة تجلّت في دعمها العسكري لإيران وإعرابها عن الاستعداد للتدخّل ضدّ إسرائيل في حال ما التجأت لاستعمال السلاح النووي ضدّ طهران، وقد عزّز هذا الموقف عقلنة ومرونة الموقف الأمريكي عند اتّخاذ قرار القيام بضربة جوّية محدودة لإيران بالشكل الذي نفّذت به دون تطوّره إلى أكثر من ذلك.
تبع موقف باكستان موقف صيني لا يقلّ صرامة عن نظيره الباكستاني يمكن أن يفسّر تفسيرين منطقيّين يدعم كلّ منهما الآخر، أمّا الأوّل فهو أنّ الصين نسّقت في مواقفها تنسيقا واضحا مع باكستان ضدّ تل أبيب التي تدعم الهند بالتكنولوجيات العسكرية إذ أنّ الهند تشكّل تهديدا للصين بالقدر الذي تمثّله لباكستان، أمّا التفسير الثاني فيتعلّق بمسألة أنّ انهيار إيران سوف يخلّ بالتوازن الإقليمي في الشرق الأوسط بالشّكل الذي يتيح تعمّق النفوذ الأمريكي بشكل مطلق في المنطقة وبالتالي تأمين عمق استراتيجي ولوجستي للقوات الأمريكية التي قد تواجهها بيكين في بحر الصين الجنوبي مستقبلا.
أمّا بالنسبة إلى الحلقة الثانية فهي مرتبطة بالموقف الروسي الذي يبدو باردا للكثيرين لكن هذا البرود سوف يتبدّد إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أنّ روسيا كانت أكثر المتيقّنين من صورية التدخّل الأمريكي وماهية أهدافه وقد دفعت هذه الرؤية الواضحة لموسكو إلى الاكتفاء بتسجيل موقف واضح داعم لنظام المرشد الأعلى دون الانسياق إلى إطلاق تهديدات أو إجراءات تؤثّر على مسارات الملفّات الأخرى على غرار ملفّ أوكرانيا أو سوريا.
واستنادا إلى هذه الصورة فإنّ الولايات المتّحدة الأمريكية قد احتفظت بفاعليّة قرارها حين ضمنت عديد الأهداف السياسية والعسكرية والاستراتيجية دون الانزلاق إلى توجّه يحرمها من جني ثمار الأوضاع المعقّدة في الشرق الأوسط، فبداية حقّقت واشنطن الأهداف السياسية لترامب الذي أراد الخروج غير محرج أمام اللّوبيات الداعمة له خلال الانتخابات وهنا نقصد اللوبيات الصهيونية الداعمة لسياسات إسرائيل، وثانيا أكّدت واشنطن على طول يدها في المنطقة وقدرتها على الاحتفاظ بالمبادرة العسكرية في الوقت الذي تراه صالحا ما يعزّز موقفها أمام حلفائها ويضاعف شعورهم بالحماية، كما تمكّنت الولايات المتّحدة الأمريكية خلال إعدادها للضربة العسكرية الصورية من تحريك جانب هام من قواتها دون إثارة تحفّظ الصين تحت غطاء عمليّاتها في الشرق الأوسط على غرار نقل 40 طائرة تزوّد بالوقود من أوروبا إلى قواعد أخرى جنوب المحيط الهندي إلى جانب حاملات طائرات وبوارج بريطانية وأمريكية، وقد مثّل الصمت الذي طغى على الموقف الروسي إزاء التحرّك الأمريكي مؤشّرا على توافق غير معلن مع واشنطن في الإطار ذاته.
رغم حرص الإدارة الأمريكية على تحقيق أكبر قدر من الأهداف، إلاّ أنّها لم تتمكّن من كبح جماح الأهداف الإيرانية والتي على رأسها كسب أكبر قدر من الوقت بعيدا عن ضغوطات قد تعطّل أو تحدّ من تنامي طموحاتها العسكرية والنووية والإقليمية.
- الوقت محور قوّة العقل الاستراتيجي الإيراني :
لم يدرك كثيرون ما كسبته إيران من الحرب إلاّ بعد نهاية الأعمال العسكرية وبداية سجال التصريحات التي تلت إعلان النصر من قبل كلّ من تل أبيب وطهران التي توقّع الجميع انهيارها خاصّة مع تلك المشاهد التي وضّحت حجم الاختراق الإسرائيلي للأمن الإيراني، فقد كانت طهران أكثر واقعية في تحديد أهدافها من الحرب حتى في ظلّ الموجة الدعائيّة الثورية التي صاحبت الحرب والتي جعلت الأمر يختلط على متابعي الأحداث في ظلّ تلقّيها لضربة موجعة على صعيد قياداتها وبعض منشآتها، لكن مع تبيّن أنّها قد أخلت مواقعها النووية من أيّ مخزون من اليورانيوم وتجهّزت لملء أيّ شغور في المناصب التي تمّ اغتيال القيادات التي تشغلها وجب على العاقل أن يعيد الحسابات التي تحلّل الفكر الاستراتيجي الإيراني.
فقد كان العقل الاستراتيجي لطهران يدرك أهمّية مسألة الوقت عند تعامله مع إسرائيل والولايات المتّحدة الأمريكية فعلى الرغم من أنّ إيران لم تكن تدرك على وجه اليقين ساعة الصفر للضربات الإسرائيلية إلاّ أنّها كانت مبدئيّا تدرك الحيّز الزمني والظرفية الإقليمية التي قد تقع فيها الضربة وهو ما كان مفتاح الإجراءات التي اتّخذتها بصورة مسبقة سواء كان ذلك على مستوى بدائل القيادات العسكرية والاستخباراتية والسياسية أو حتى على مستوى تأمين مخزوناتها من الصواريخ التي تمثّل مسمار عجله اليد الطولى لضرب إسرائيل أو كذلك مخزوناتها من المواد والأجهزة المستعملة في ملفّها النووي أو حتى القدرات والكوادر المسؤولة عنه.
ولم يقتصر الإدراك الإيراني لأهمّية مسألة الوقت فقط عند الفترة السابقة للحرب بل يمتدّ إلى فترة الحرب ذاتها وما بعدها، وأمّا خلال الحرب فقد حرصت إيران على اعتماد أسلوب الضربات المسائيّة بشكل دوري متكرّر جعل من ضرباتها متوقّعة الأوان نسبيا. وعليه ضمنت بذلك إيصال رسائل هامّة للفاعلين الدوليّين وخاصّة واشنطن يفهم منها أنّ نيّتها هي الاكتفاء بالردّ على الأعمال التي تقوم بها إسرائيل دون الجنوح إلى توسيع الأزمة، وهو ما يضمن لها أمرين، الأوّل تحديد مدى هذه الحرب وطولها وبالتالي التحكّم في مجرياتها والثاني استقراء لحظة نهايتها التي إذا ما قد تجاوزتها سيكون ذلك انزلاقا إلى إمكانية تحقيق أهداف نتنياهو التي يقتنصها والمتمثّلة أساسا في توسيع نطاق الصراع وإدخال الولايات المتّحدة فيه.
أمّا بالنسبة إلى عامل الوقت في ما بعد نهاية الحرب، فيتعلّق بتحقيق أكبر قدر من تمطيط المفاوضات في ملفّها النووي عبر فتح مجال للدبلوماسية الإيرانية بإدانة تورّط وكالة الطاقة الذرّية في أعمال تجسّس لحساب إسرائيل عبر عملاء لها صلب بعثات الوكالة، وهو ما يجبر الولايات المتّحدة الأمريكية على تقبّل هذا التمطيط ويمكّن إيران من إحراز أكبر قدر ممكن من التقدّم في برنامجها النووي قبل العودة إلى طاولة المفاوضات، وتضيف عودتها إلى التفاوض بعد ذلك بالشكل الذي لم تكن واشنطن تتوقّعه وتريده، وقتا إضافيا آخر قد يساهم في حسم التقدّم في إنجاز برنامجها النووي.
يُستقرأ من تركيز العقل الاستراتيجي الإيراني على عامل الوقت باعتباره قوام عمله أنّ طهران تدرك جيّدا أنّ التعامل مع الكيان وواشنطن وحلفائها بالمنطقة لابدّ أن يقوم على أساس تأجيل أيّ صدام إلى حين تهيئة الظروف الملائمة لذلك، تنقسم هذه الظروف إلى قسمين، الأوّل متعلّق بالداخل الإيراني ويقصد بذلك ترفيع القدرات العسكرية التي تعقّد حسابات الجانب الإسرائيلي والأمريكي، بالإضافة إلى إمكانية وصولها لتصنيع السلاح النووي الذي سيمثّل نقطة نهاية تهديد وجود نظام المرشد الأعلى خاصّة والجمهورية الإسلامية الإيرانية عامّة.
أمّا القسم الثاني فيتعلّق بمزيد تبلور التوازنات الإقليمية التي تصبّ في صالح إيران والتي بدأت تتّضح مع مواقف الصين وباكستان، وعلى هذا الأساس تتمتّع طهران برؤية استراتيجية وواقعيّة أكثر وضوحا من رؤية الكيان خاصّة وأنّ نتنياهو على رأس الكابينات.
- غموض الأفق الاستراتيجي للكابينات وتدهور التأثير السياسي في أروقة البيت الأبيض :
ظلّت عقيدة برغمان تمثّل بوصلة تشير إلى الأخطار التي تهدّد الكيان طيلة فترة وجوده، وقد عزّز نجاح هذه العقيدة وفعاليتها ودورها اعتماد القيادات الإسرائيلية عليها كأساس لتفكيرهم وفلسفة للعقل الاستراتيجي لديهم بصورة موضوعيّة تتناسب مع أهداف الكيان لا مع الأهداف الشخصية لبعض القياديات، ورغم بعض الانتكاسات التي شهدها الكيان مثل ما كان عليه الحال في الصدامات العسكرية مع حزب الله في 2006 ومع الفصائل الفلسطينية المقاومة في 2014 و2021 لم ينزلق قادة تل أبيب إلى التهرّب من مسؤولياتهم تجاه الكيان أثناء فشلهم في هذه الحالات، غير أنّ هذا الوضع الذي أجبرت المقاومة الفلسطينية نتنياهو عليه أبرز مدى ضعف إمكانيّاته في إدارة الأزمة وهو ما توضّح بعد مدّة من بدء الغزو البرّي لغزة عند بروز خلافات واضحة مع وزير دفاعه يوؤاف غالانت ورئيس أركان جيش الاحتلال هارتسي هاليفي.
بلغ الخلاف بين القيادة العسكرية ونتنياهو الحدّ الذي لم يخفه غالانت وهاليفي خلال الندوات الصحفية التي ضهرا فيها إلى جانب رئيس حكومتهم، حيث أحجم وزير الدفاع ورئيس الأركان عن مخاطبة نتنياهو أو حتى النظر إليه وقد صاحبت تلك المشاهد موجة من التحليلات التي تبيّن تناقض الرؤى بين القيادة العسكرية والقيادة السياسية، وبعيدا عن هذه المشاهد يمكن التيقّن من وجود التضارب والخلاف من خلال مجريات الأوضاع الميدانية إذ أنّ القيادة العسكرية أدركت منذ وقت مبكّر أنّ الأهداف السياسيّة للحرب على غزّة لا يمكن بأيّ حال من الأحوال الوصول إليها وتحقيقها، وكان هذا الإدراك العسكري أكثر واقعية من إدراك نتنياهو السياسي الذي يذهب إلى أنّه يجب تحقيق أهداف الصراع وبالتالي تحقيق أولوياته الذاتية من خلال تمديد أمد هذه الحرب وتوسيع نطاقها وتوريط الأطراف الأخرى فيها وعلى رأسهم الولايات المتّحدة الأمريكية.
في وقت لاحق توسّعت خلافات نتنياهو حتى وصلت إلى الصدام مع رئيس جهاز الشاباك والذي وقف عقبة أمام أولويّاته الذاتية وهو ما أدّى إلى إقالة رونين بار وتعويضه بديفيد زيني وذلك بعد إقصاء هاليفي وغلانت وتعويضهما بقيادات تتميّز بالمرونة في التعامل مع أولويات رئيس وزراء الكيان والانصياع لها.
لم تكن القيادات الاستخباراتية والعسكرية الطرف الوحيد الذي لاحظ ارتباك قرارات نتنياهو بل إنّ أطرافا سياسية إسرائيلية مؤثّرة على غرار رئيسي الوزراء السابقين للكيان إيهود باراك وإيهود أولمرت، كانت تدرك أنّ قرارات نتنياهو تدفع الكيان إلى صراعات ليس الوقت مناسبا للدخول فيها وفق هذه الظروف، وأدّى هذا التوجّه لدى شريحة هامّة في تل أبيب إلى دفع جانب كبير من اللّوبيات الصهيونية في واشنطن إلى اعتماد هذا الرأي وتبنّيه وهو ما قد يؤثّر في قرارات واشنطن تجاه نتنياهو لا تجاه إسرائيل، وهو ما من خلاله يمكن تفسير عقلانية الضربة الأمريكيّة لإيران وصوريتها، إذ أنّ الولايات المتّحدة الأمريكية لم تتخلّ عن خيار دعم إسرائيل عبر تنفيذها العمل العسكري لكن لم تجعل هذا العمل يرتقي إلى درجة يكون فيها داعما لأولويّات نتنياهو الذي وجد نفسه في مناسبة أخرى بعد ذلك أمام مجرّد دفاع شكلي من طرف ترامب عند الحديث عن إمكانية إعفائه من المحاكمة داخل الكيان.
ويتعزّز التفسير القائل بأنّ اللّوبي الصهيوني قد تخلّى عن ضغطه على الإدارة الأمريكية بالصورة المعتادة بأنّ الزجّ بالولايات المتّحدة الأمريكية في أتون صراع واسع النطاق قد تتداخل فيه أطراف دولية أخرى مثل روسيا والصين وباكستان قد يؤدّي إلى إضعاف نفوذ واشنطن وبالتالي عجزها عن دعم استمرار وجود الكيان بعد ذلك في المنطقة.
- إعادة ترتيب مؤقّت للأوراق في الشرق الأوسط وحفظ المصالح الأمريكية في المنطقة.
خلّفت حرب الأثني عشر يوما وراءها شرق أوسط يعيش على ديناميكية جديدة، فامتداد يد الردع النووي الباكستاني وإعلان الصين عن دورها الجديد في تشكّل القوى الإقليمية كلّها عوامل أفصحت عن إعادة ترتيب الأوراق في المنطقة.
ففي البداية لابدّ من الانطلاق من تفكيك تعقيد الدور الباكستاني حيث أنّ إسلام آباد قد أفصحت عن توفير غطاء ردعي صريح يحمي دولة لا تتقاطع مصالحها مع أهمّ حلفاء باكستان وشركائها في المنطقة ويقصد بذلك السعودية، فالمملكة تعتبر في أبجديات السياسة الدولية شريكة لباكستان في بناء قدراتها النووية من جانب ومنافسة لإيران بشكل توصف معه أنّها عدوّة لها من جانب آخر، وعليه فإنّ الغطاء الذي قدّمته باكستان قد يمثّل فرصة لطهران لتحقيق التفوّق إذا ما استغلّته الأخيرة لإتمام بناء برنامجها النووي وهو الأمر الذي قد يضع الرياض في موضع حرج.
يمكن تفكيك هذا التعقيد عبر النظر إلى أنّ هذا الغطاء النووي الباكستاني لإيران متأتٍّ من هواجس الأمن القومي الباكستاني ومقتصر على صراع طهران مع الكيان فقط، حيث أنّ أيّ تهديد إيراني للسعودية ونفوذها باستعمال برنامج طهران النووي سوف يقلب هذا الغطاء الباكستاني إلى تهديد، ممّا يعيد التوازن على مشهد الشرق الأوسط، وهو الأمر الذي يمكن أن تجني منه الولايات المتّحدة الأمريكية ثمرة هامّة ألا وهي صناعة توازن تلعب فيه السعودية ولو بشكل غير مباشر دور حماية للعمق الاستراتيجي الذي قد تستفيد منه واشنطن والغرب عموما.
وقد تدخّلت الصين في صناعة الديناميكية الجديدة للشرق الأوسط حيث أنّها بإعلانها الدخول على خطّ الصراع عبر دعم الطرف المناوئ للولايات المتّحدة الأمريكية قد قامت بالإعلان عن انتهاج توجّه جديد على مستوى سياستها الخارجية عبر تخلّيها على التحفّظ المعتاد، ويحيل هذا الوضع إلى أنّ الولايات المتّحدة الأمريكية أصبحت أكثر تحفّزا لمحاصرة نفوذ الصين المتنامي والذي وصل إلى منطقة لا تقبل القسمة على اثنين، وبالعودة إلى الرأي القائل بأنّ هناك توافقا ضمنيا بين واشنطن وروسيا حول شكل المنطقة وتوازناتها فإنّ ذلك يعني عدم تقبّل لاعب جديد في المنطقة قد يعيد صياغة شكلها وديناميكيتها، ما يفسّر نقل جانب هامّ من القوّة العسكرية الأمريكية والغربية إلى المحيط الهندي من أجل التجهّز للصراع الذي يهدف إلى محاصرة الصين وتحجيمها.
تجدر الإشارة في النهاية، إلى أنّ إحدى أهمّ المسائل التي أنتجتها جملة الصراعات التي شهدها الشرق الأوسط منذ 2023 هي التعقيدات التي دخلت على ملفّ التطبيع مع الكيان الصهيوني، فقبل طوفان الأقصى كان التوجّه الدولي الذي يهدف إلى صياغة ما يسمّى بالاتّفاق الإبراهيمي ناجحا في تحقيق مساعيه، لكن مع توتّر الأوضاع أصبح ذلك أكثر صعوبة وتعثّرا. فقد تصاعدت المواقف المناوئة للأفعال الإجرامية للكيان واعتداءاته على سيادة الدول المحيطة به، غير أنّ ذلك لم يخلُ من بعض الاستثناءات على غرار دخول الجولاني في مباحثات مع الكيان الصهيوني برعاية أمريكية تركية قد تسحب سوريا إلى ركب الدول المطبّعة في المنطقة.
الأخبار
انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.
0 تعليق